lundi 29 décembre 2008

آه من يوم تسودّ فيه الفوانيس، اللهم قنا شّره"


" بقلم سلوى الشرفي تاريخ النشر: 2007-09-25




لا نعرف عن طائر الخّفاش رغبة إلحاق الضرر بالإنسان ورغم ذلك حوّلنا خصوصيته الطبيعية إلى صفة سلبية نلصقها بكل من يفضّل الظلام على النور لحاجة في نفس يعقوب. وهذه الحاجة يعبر عنها المثل التونسي الشعبي بما معناه أن نور الشمعةعدو السارق. لذلك يحصل للسارق أن يقنع من يسرقهم بضرورة عدم استعمال النور بدعوى أنه مخالف للعقيدة، أي عقيدة كانت، حزبية أو دينية. و يتحول ضحايا السرقات أوّل المدافعين عن حق السارق في الاستيلاء على ممتلكاتهم. هكذا مثلا نرى بعض الصحفيين يدافعون بضراوة عن حقهم في الرقابة الذاتية، كما حصل قديما أن رفض الناس إضاءة الشوارع.

سنة 909 هجري قرر محتسب القاهرة "الزيني بركات بن موسى" تعليق فوانيس كبيرة تضيء بالشحم على كل حارة حتى تنام المدينة آمنة، و هي التي تنتهك حرمتها ليلا من طرف المماليك. وفرح العامة بذلك. لكن الخفافيش، بالمعنى المذكور أعلاه، شنوا عليه دعاية، يخجل من ذكائها صحافيو القنوات الرسمية، جعلت المضطهدين أنفسهم يتراجعون عن موقفهم الإيجابي ويستنجدون بالسلطان لدفع بلاء هذه البدعة عنهم، إذ ربما "أخذت البدعة البركة من الناس"/

وخطب الوعاظ في المساجد وعارضوا قرار تعليق الفوانيس. و قد أورد جمال الغيطاني في روايته "الزيني بركات" نقلا عن كتاب المؤرخ المصري محمد بن أحمد بن إياس "تاريخ مصر المشهور ببدائع الزهور في عجائب الدهور" جزءا من خطبة الجمعة المتعلقة بواقعة الفوانيس.

تقول الخطبة: "يا أهل مصر، يقول رسول الله صلعم "لا يستحي العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم" نقول هذا لمن أحلّوا تعليق الفوانيس أمام البيوت والدكاكين يدّعون العلم بالتواريخ والأحداث التي جرت وينقصهم القول بما سيجيء، هنا ندخلهم في زمرة الكافرين، قالوا سبق لعديد من الأمم أن علق حكامها الفوانيس في شوارعها، فهل ذكروا لنا مثلا بعينه؟ أهل كان رسولنا يمشي على هدى الفوانيس؟ وفي رحلتي الصيف و لشتاء إلى الشام و اليمن هل أضيء طريقه بفوانيس صنعها بشر؟ نقولها عالية، نقولها بلا حرج، نقولها ورقابنا على أيدينا لهؤلاء الذين يدّعون العلم بالحكم التاريخية، والأحاديث النبوية، و المتون الخفية، و الأصول المرعية، و هم جهلاء يخفون جهلهم، نقولها و لا نهاب لا نخاف، لانخشى، يا أهل مصر لم يحدث تعليق الفوانيس من قبل، لقد أمرنا رسولنا الكريم بغض البصر عن عورات الخلق، والفوانيس تكشف عوراتنا، خلق الله ليلا ونهارا، ليلا مظلما، ونهارا مضيئا، خلق الليل ستارا ولباسا، فهل نزيح الستار؟ هل نكشف الغطاء الذي أمدنا الله به؟ هل نتطاول ونبدد سواد الليل من كل شبر في المدينة؟ هذا كفر لا نقبله، هذا خروج عن الحد لا نرضاه (...) قوموا إلى بيت "الزيني بركات" و طالبوه بمنع الفوانيس التي تهتك السرّ وتشجّع النساء على الخروج بعد العشاء، (...) الفوانيس علامات آخر الزمن، من علامات دنيا تخرج عما رسمه الباري عز وجل، طالبوا سلطاننا بتوسيط كل من أوحى بهذا، بحرقه، وبرجمه، هؤلاء الجهلاء دعاة العلم، آه من يوم تسود فيه الفوانيس اللهم قنا شره، اللهم أبعدنا عنه، اللهم لا تمد أجلنا حتى نراه".

وهنا تعالى بكاء الناس في الجوامع، وزعق بعضهم: "اللهم اهدم الفوانيس، اللهم اسحق الفوانيس"

وحده قاضي الحنفية قال رأيا محالفا: "الفوانيس تطرد الشياطين، وتنير المسالك في الليل للغرباء، وتمنع مماليك الأمراء والمنسر من الهجوم في الليل على الخلق الأبرياء" فأقصي عن منصبه. و تراجع السلطان عن قراره وعادت الخفافيش تغزو بيوت الناس وتخطف نساءهم.

وبعد حادثة الفوانيس جاءت بدعة التلفون فأفتى رأس السلفية الوهابية بتحريم الآلة الشيطانية. غير أنه لم يعد من الممكن الوقوف في وجه البدع الضرورية للتقدم، بحجة أن الرسول لم يكن يستعمل التلفون وكان يكتفي بالرسائل، لذلك لجأ المتنوّرون إلى حيلة طفوليّة تليق بعقل المفتي، فأسمعوه هاتفيا آيات من القرآن وذكّروه بأن الشيطان لا يقرأ القرآن، فاقتنع بجواز استعمال الآلة العجيبة صنيعة الكفار. وشاعت من وقتها عادة افتتاح برامج الإذاعة ثم التلفزيون "بآيات بيّنات من الذكر الحكيم" كما شاعت في ما بعد عادة تحليل باقات قنوات فضائية دنيويّة، كأشد ما تكون الدناءة السياسية والاجتماعية، بتخصيص واحدة منها لله. فيهلل أحفاد مفتي التليفون ويكبّرون ويرسلون برقيات الشكر والامتنان للأمراء. ويتساءل الدكتور سيف الإسلام بن سعود بن عبد العزيز آل سعود في رواية "طنين": "كيف تعرف الشعوب المغلوبة على أمرها طرق النجاة من فساد حكام مستبدين؟ و كيف تفصل الأمة بين معتقداتها الدينية، ولجوء هؤلاء المستبدين من الحكام لهذه المعتقدات نفسها، عندما يرغبون في تبرير مظالمهم واستعبادهم لرعاياهم ؟ "

والحقيقة أنه لولا الهاتف و الإنترنت التي سمحت لشباب ذاك البلد بالتواصل مع الآخر المختلف جنسيا، لأصبحت المثليّة الجنسية القاعدة هناك (انظر رواية صبا الخزار "الآخرون").

وجماعة السلفية الوهابية التي اعتبرت نفسها جماعة المسلمين وليست جماعة من المسلمين، والتي أنكرت دوران الأرض و كرويّتها وحرمّت الهاتف والراديو والتلفزيون وقيادة السيارات واستعمال الإنترنت بدون محرم على النساء، وما زالت ترجم وتقطع الرؤوس و الأيادي، لم تنتج فقط ظاهرة رفض الآخر المختلف جنسيا وظاهرة القنوات الخليعة، بل فرّخت كذلك المنادين باعتناق أفكار أكثر تشددا بدعوى أنهم "جماعة المسلمين" الحقيقيين.

ويروي صاحب رواية "طنين" التاريخية مسيرة أحد أمراء آل سعود بعد أن هدّم محمد علي والي مصر عاصمة السّلفية الوهابية "الدرعية" على رؤوس حكامها وسكانها ونفى أمراء العائلة المالكة إلى مصر.

ويصف على لسان الأمير المنفي خالد بن سعود مدينة القاهرة كالتالي: "رأينا بشرا يشبهوننا، وحتى أجمل، خارجين من مساجدهم، وسبق أن قيل لنا في "الدرعية" إن عوالم ما وراء الجزيرة لا يصلّون، وأن أشكالهم تقلّب بين القردة والخنازير عقابا لتركهم الصلاة. ورأينا غابات النخيل والفاكهة الممتدة، والمرويّة من نهر ليس هناك أوسع ولا أطول منه، وقد نصحنا عندما كنا نشاهد نخيل نجد والإحساء بأن نطلب استمرار النعيم الذي هو صورة مصغرة من نعيم الآخرة. رأينا الناس في مصر يوم دخولنا لعاصمتهم يتذمرون من المطر متذرعين بأن نيلهم وهو يفيض تلك السنة، يغنيهم بتدفقه الساحر غير المعروف المصدر عن الغيث والرجع. وقد قيل لنا في بلادنا إن في الآخرة فقط هناك نهر وعيون جارية. شاهدنا العامة رغم فقرهم المشابه لفقر عامتنا، يعملون ويزرعون، ولكنهم يزيدون على هذا باللعب والضحك... ومغازلة النساء... أعاذنا الله من سوء المصير. شاهدنا حدائق غلبا ذات بهجة، وأبنية ذات صروح ممردة، وقد قيل لنا في بلادنا ألا وجود لمثل هذه المتع إلا عند الجبارين أو في جنات عدن."

وتقوم اليوم "جماعة المسلمين" الجديدة بذبح المسلمين في العراق والأردن والجزائر والمغرب، وهي بلدان تشبه إلى حد كبير ما وصفه الراوي.

ويضيف راوينا بحسرة وتعجب: '"قيل لي ولأمثالي من شبيبة آل سعود، أن دولتنا السلفية لا يمكن أن تهزم، وأن حدودها لا يمكن أن ترسم، لأنها تتوسع في كل يوم قامعة الشرك والبدع".

في زمن القول ذاك، أي بعد هزيمة الدولة السلفية، كان السلطان "الغوري" الذي منع الفوانيس في مصر قد قتل على يدي العثمانيين وجاء الألباني محمد علي الذي لا يحسن اللغة العربية وأشعل فوانيس العلوم التي أضاءت العالم العربي كله بما فيه دماغ أمراء السلفية المنفيين في مصر.
و ظلت فوانيس محمد علي تضيء إلى أن ظهر حسن البنا.

samedi 27 décembre 2008

شبابنا بلا خلفية معرفية متذبذبا وحائرا



نواصل فيما يلي تغطية اللقاء الفكري مع الدكتورة ألفة يوسف حول حدود تأويل النص الديني، الذي انعقد في إطار منتدى التقدم بمقر جريدة الوحدة يوم 12 ديسمبر الجاري.

الأستاذ زياد كريشان أشار في مداخلته إلى أنه لا يمكن تناول الدين كنص منزل فقط، لأن الدين لا يصبح دينا إلا بمؤسسة بشرية سواء كانت كنيسة أو كهنوتا غير مؤسس. و لذلك فإن من يمتلك الشرعية الاجتماعية للتأويل ويختص بهذه السلطة هو ما يسمى المؤسسة الدينية وليس كبار المفكرين أو المثقفين، فشيخ بسيط من الأزهر مثلا يزن ما لا يزنه هؤلاء مهما بلغت عبقريتهم وعلمهم، ملاحظا وجود صراع شديد بين المؤسسات الدينية الرسمية من جهة ومن يريد أن يعوض هذه المؤسسات ويفتك شرعيتها من جهة أخرى وهو الذي يسمى عادة بالإسلام الاحتجاجي. أما المثقف فليس من المفيد له أن يأخذ دور رجل الدين لأن المجتمع لا يقر له بهذا الدور. وأكد أهمية المسألة المتعلقة بتنزيل القرآن الذي يفتح اعتبار معانيه إلهية وألفاظه بشرية (أي بحدود الثقافة الإنسانية التي هي ليست حكرا على اللغة العربية) مجالا جديدا في التأويل ليس الديني بل الفكري حيث يصبح عدم التقيد بمنطوق اللفظ مبررا، لأن الجهد البشري مهما توسع في باب التأويل يبقى أسير هذا التنزيل عندما يكون باللفظ والمعنى من الذات الإلهية. ورأى أنه من الخطأ أن يقع الصراع في التأويل على الجزئيات (مثل مسألة الحدود) لأن التفسير الحرفي القائم على بداهة النص هو الذي سينتصر حينها، بينما ترتكز المحاضرة على الفلسفة وعلم النفس واللسانيات... والمطلوب ليس فقط أن يقول المثقف هذا الكلام بل أن تتبنى ذلك التصور العقلاني المؤسسة الدينية وتقطع مع التآويل القديمة في إطار صراع فكري بينها وبين المثقفين والمجتمع المدني لأنها لن تفعل ذلك تلقائيا في بلدنا أو غيره. وهذا ما حدث للكنيسة الكاثوليكية التي أحرجت وأرغمت على تحديث الفكر الكنسي. وأكد أنه لا يمكن لأي دولة في المجتمع العربي الإسلامي اليوم أن تتخلص من المسألة الدينية، لأنها لو تخلت عنها فسوف تأخذها لقمة سائغة قوى أخرى حريصة ومستعدة لاستثمار الدين والحاجة الاجتماعية للتدين، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن يقع تحديث الدين في بلد واحد لأن الإسلام يشمل مليار ونصف.
الدكتور الحبيب الجنحاني اعتبر أن أهم سياق في التأويل ليس السياق اللغوي بل السياق التاريخي، متسائلا إلى أي حد في هذه الحالة يمكن أن يصل التأويل عندما ينسجم مع السياق التاريخي المعاصر إلى الآخر؟ فقد نجد في النهاية نصا لا نستطيع تأويله لأنه يكون قد ذاب وغاب نهائيا. كما اعتبر أن عصور الازدهار في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية شهدت طرح قضايا أهم تتعلق بالحكم وأمور السياسة والإمامة والاقتصاد (الخراج...). أما الأسماء التي ذكرتها الدكتورة ألفة يوسف مثل الرازي والزركشي والسيوطي فقد جاءت في عصور متأخرة. ولم يهتم بهذه القضايا ابتداء من القرن التاسع عشر رواد النهضة المنتسبون في أغلبهم إلى المؤسسة الإسلامية بل اهتموا أساسا بالتصدي للحكم الاستبدادي المطلق، وجدد التأكيد على ضرورة السعي إلى فصل الدين عن السياسة وليس فصل الدين عن الدولة. وأعرب عن انزعاجه من إخراج هذه القضايا التي اعتبرها هامشية من حلقات الاختصاص إلى الرأي العام ورأى في ذلك "لعبة خطرة" وإشغالا للناس وجرّا للنخبة المستنيرة و المجتمع المدني إلى معركة قد تكون على حساب نضالات طويلة من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية والتقدم في المجتمع العربي الإسلامي.
الأستاذ الأمين التليلي انتقد ما اعتبره مؤاخذة في محاضرة ألفة يوسف للأوائل لعدم اكتشافهم جوانب الإعجاز العلمي في القرآن متسائلا أين المشكل إذا تدرج التشريع الإسلامي في معالجة قضية مثل الرق والعبيد (عن طريق الكفارات) معتبرا أن التدرج سياسة كونية لا تعيبه، خصوصا وأنه جاء في رأيه ليحرر البشرية جمعاء ويقضي على استعمار البشر للبشر... وذكر بأن عمر بن الخطاب قد خرج عن النص جملة وتفصيلا في أربع مناسبات (حد السرقة، المؤلفة قلوبهم، الزواج بالكتابيات وأراضي الفتوحات) واضعا بذلك حجر الأساس لتأويل لا حد له، ودعا إلى إرساء مبدأ الجرأة في التعامل مع النص الديني، مع اعتبار قاعدة "حيثما تكون المصلحة فثمة شرع الله" لأن الشعوب تهمها المصلحة، وتبقى السلطة مهمة جدا مثلما تم في تونس حين تم منع تعدد الزوجات أما المساواة في الإرث، فيبدو له أنها ما زالت تقلق الرجال الذين يحتلون المراكز العليا في الدولة.


الأستاذ بحري العرفاوي اعتبر أن الدكتورة ألفة يوسف تكاد تذهب إلى اللامعنى أو كأنها من اللاأدرية حين تجزم بأن لا أحد قادر على المسك بمعاني القرآن وأن لا أحد قادر على أن يفتي أوحين تقول بأنها تستحي من الله فلا تفتي ولا تقول بحلال أو بحرام، معربا عن خشيته من أن ننتهي بذلك إلى "رخوانية معرفية" حيث لا وجود لحقيقة ولا وجود لمعنى، وهذا عموما في تقديره خطر معرفي. مذكرا بتعريف للتأويل على أنه صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل بدليل، و بأن القول كما يعرفه علي حرب حقل دلالي ومجال لإنتاج المعنى، واستشهد بجان بول سارتر في مقولة حول ضرورة تصويب الكاتب كلماته نحو هدف ما ليتوجه بسؤال غير مباشر إلى ألفة يوسف حول الهدف الذي تريد أن تنتهي إليه في كتاباتها. كما اعتبر أن القرآن نص مشاع للناس يمكن للجميع الخوض فيه وهذا ما يحسب للإسلام حيث لا يمكن لأي مؤسسة أن تحتكر فهم القرآن. ورأى أنه لا حدود شرعية أو موضوعية (مثلما هو الحال في العلوم الطبيعية) أو قومية للتأويل، وإنما هي حدود الأخلاق المعرفية والعلمية، وهو ما أوضحه المجتهدون حين وضعوا شروط الاجتهاد حتى لا نقول فيما لا نعلم.
الأستاذ محمد الجابلي أكد أننا في حاجة دائمة إلى إثارة هذه القضايا وإن كان الصراع حولها قديم بين المذاهب والمدارس منذ بداية نشوء المكون السياسي في الدين الإسلامي، معتبرا أن مسألة الدين مسألة بنية مجتمعية كاملة وحضارية، فإذا كان الدين عند البعض عقيدة فهو عند البعض الآخر مكون ثقافي وعند آخرين مكون انتروبولوجي أو عامل من عوامل الهوية، داعيا الباحثين إلى عدم الفصل بين هذه المكونات والعوامل لأن الدين هو كل ذلك. واعتبر أن العيب لا يكمن في النص الديني بل في الواقع المتخلف الذي يجعل النص رجراجا قابلا لتأويلات كثيرة وممكنة فلا حدود لتأويل النص الديني الذي هو ليس من مسؤوليتنا كنخبة، بل إن المسؤول عنه هو رجل السياسة ورجل الدين الرسمي، ونتيجة الاستلاب السياسي والحضاري والاقتصادي والثقافي وما آل إليه استعمال الدين من تحجر وردة فعل خطيرة أصبح الدين في رأيه معرقلا وحائلا بيننا وبين الحداثة، مستنكرا في الآن نفسه نفي حق المتدينين ومحاولة اقتلاع جذور التدين جملة وتفصيلا بدعوى الخوف من الاستغلال الديني للحريات السياسية، فالصراع على الدين في رأيه كما عبر عنه في أحد كتبه هو صراع في الحياة.
السيد الحبيب قيزة أشاد بالدكتورة ألفة يوسف التي يرى أنها تنتمي إلى تيار فكري عقلاني مفتوح نعتز به في تونس بمختلف اجتهاداته التي نحن في أمس الحاجة إليها و فيه عبد المجيد الشرفي ورجاء بن سلامة ويوسف الصديق... وإذا كانت منطلقات البعض من خارج النص الديني، فثمة من يريد التغيير من داخله مثل الطاهر الحداد مشيرا إلى التجذر التاريخي للبعد العقلاني المغاربي ورموزه مثل ابن خلدون وابن رشد صاحب " فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال" الذي كان يدعو إلى تأويل النقل بما يتماشى والعقل. وأكد أنه كناشط اجتماعي حداثي وعلماني وديمقراطي ينشد التغيير تهمه هذه القضايا المتعلقة بالدين والتأويل والتي تبقى مسألة أساسية لا يمكن تجاهلها لأننا لسنا في فرنسا ولم ننجز بعد ثورتنا الديمقراطية واللائكية، ومع تشديده على ضرورة نشر تلك القيم للخروج من الدغمائية فقد دعا إلى التمييز بين الممكنات الواقعية والممكنات الذهنية، فالعالم قد تطور ونحن ما زلنا على تخلفنا و" سمعتنا في الطين"، ولدينا الكثير من أمثال أسامة بن لادن في العالم العربي والإسلامي.
الأستاذ صالح الزغيدي لاحظ أن النص الديني نفسه يحمل لدى البعض مشروع مجتمع ومشروع دولة، مشددا على أنه ينبغي تفادي القول بأن كل الدول الإسلامية متماثلة أو بأن التشريع فيها جميعا وضعي ولو بالتمييز الذي ذكرته ألفة يوسف، فالفارق كبير وواضح مثلا بين تونس والسعودية باعتبار اختلاف حضور الدين وسلطة الدين في كل منهما. كما أكد أهمية النظر إلى قضية الأحوال الشخصية كقضية مركزية لها ارتباطها بكل القضايا الأخرى المؤثرة في نوعية المجتمع وبنائه. ولئن انتقد توظيف الدين واستعماله من قبل الدولة في تونس (من تعيين الأئمة إلى كتابة الخطب الدينية وتمرير الخطاب السياسي الرسمي...) فإنه نبه إلى أن عدم التحكم في المساجد سيجعلها بأيدي قوى أخرى مما يبرر الحاجة إلى مؤسسة دينية، ملاحظا (من خلال مثال إذاعة الزيتونة) أن محاولة "سحب البساط" التي تقدم نفسها على أساس أنها الإسلام المعتدل والصحيح "ذي الطابع التونسي" لا تختلف في العمق عن القنوات الدينية المنتشرة (مثل اقرأ) وهي بصدد المساهمة في توسيع الحضور الديني وإرجاع تركيزه في المجتمع. وشكك فيما يسمى بالخصوصية التونسية في هذا المجال وغيره، معبرا عن تقديره لجهد الباحثين المساهمين في حركة التنوير داخل المنظومة الدينية سواء انتموا إليها أم إلى منظومة فكرية لادينية، وهو ما حدث أيضا حتى في الفكر الماركسي الذي أسهم في إثرائه غير الماركسيين مثل ريمون آرون. وجدد دعوته إلى ضرورة الاعتراف في تونس بحقوق اللائكيين مؤكدا أن اللائكية هي الخطوة الأكبر في اتجاه الحداثة.
الأستاذ شاكر الشرفي انتقد مسار النقاش في المنتدى الذي انطلق في رأيه من التأويل ليصل إلى "خطة تجفيف المنابع" ذات القراءة المتشنجة للدين والموجهة لمحاكمة خصم سياسي (الحركة الإسلامية) وهي ظاهرة في اعتقاده خطيرة، متسائلا عن دواعي الخوف من ظاهرة التدين في تونس أو من إذاعة الزيتونة، واعتبر أن مشكلة المثقف العلماني في تونس افتقاره إلى ثقافة دينية أي معرفة بالإسلام وأحكامه وفلسفته ومقاصده، داعيا إلى الاطلاع أكثر على الإسلام قبل الحكم عليه. كما اعتبر أن ألفة يوسف قد ارتكبت في أثناء بحوثها بعض الأخطاء معطيا مثال موقف المذهب الشيعي من زواج المتعة الذي يقول إن أمهات الكتب الشيعية ( مثل بحار الأنوار) قد حرمته.
الأستاذ سليم الزواوي ميّز بين الإسلام والحركات الإسلامية تمييزا غاب لدى البعض. و لاحظ أن المسائل الهامة التي تطرحها الدكتورة ألفة يوسف لا تهم بلادنا فقط لأن العقلية الإسلامية السائدة ما زالت مشدودة إلى أحادية التأويل، مفضلا استعمال كلمة قراءة على كلمة تأويل الذي اعتبر أنه يحيل إلى التراث القديم أكثر منه إلى الحديث، أما الحدود فهي تنطلق بالأساس في نظره من الجانب التاريخي، وهذا ما تفطن له الطاهر الحداد عندما ميز بصفة حاسمة بين ما جاء به الإسلام (في القرن السابع) وما جاء من أجله الإسلام وهو ما يناسبنا الآن بقراءة جديدة، وأشار إلى آخر كتب محمد عابد الجابري الذي يميز بين قراءة معاصرة للكتاب وقراءة معاصرة لنا نحن، إذ لا يمكن أن نقبل اليوم تأويلا للبرق بأنه من صنع ملائكة تحمل السيوف، و بدعوى أن إمكانيات التأويل مفتوحة وكل شيء مقبول يمكن أن نقبل قراءات أسطورية ميثولوجية للنص الديني، فثمة حدود يفرضها الواقع والعلم وحاجات الناس. و اعتبر أنه من الضروري إعادة النظر في وظيفة الدين الذي لم يعد مصدر شرعية الحكم ليصبح علاقة ذاتية بين الإنسان وربه يمكن أن تضفي بعدا أخلاقيا على العلاقات الإنسانية.
وفي تعقيبها على بعض الملاحظات والتساؤلات أوضحت الدكتورة ألفة يوسف أن المحاضرة التي قدمتها كانت باختصار حول بيان أن التأويل نسبي وليس حول تقديم تأويل معين أو أجوبة جاهزة، أما الفكرة الأساسية أن الحقيقة المطلقة لا يعلمها إلا الله فلا تعتبرها لا أدرية وإنما هي إقرار بمحدودية الإنسان، وهدفها بكل تواضع خلخلة المسلّمات، وأكدت أنه ليس هناك تعارض بين أن تكون مسلمة وعلمانية في آن واحد، وهذا ما سبب لها المشاكل مع الإسلاميين ومع غير الإسلاميين بسبب ميل كل منهم إلى تصنيفها في خانة الآخر، ومع ذلك أعربت عن وقوفها مع حق كل مواطن تونسي في التعبير والتنظم السياسي وحرية اللباس والمعتقد لأن بلادنا محتاجة إلى جميع الأصوات والتعايش في كنف الحب والتواصل والاحترام المتبادل، وهي تتحمل بكل وعي مسؤولية مواقفها مثل تسامحها الإداري في قضية الحجاب، كما أشارت إلى اشتغالها على كتاب جديد حول التشريع، وقد لاحظت أن قانوننا والخطاب الرسمي للدولة يعيش انفصاما ومفارقات وخلطا عجيبا بين الوضعي والديني خلف شعارات فضفاضة وعامة لا تستجيب لمتطلبات الواقع الذي نجد فيه شبابنا بلا خلفية معرفية متذبذبا وحائرا بين الفضائيات. وعبرت عن سعادتها بالتحاور اليومي مع هؤلاء الشباب عبر شبكة الانترنت والاقتراب أكثر من مشاغلهم وأسئلتهم وتطلعاتهم.

عادل القادري ـ جريدة الوحدة



lundi 22 décembre 2008

Adonis replique

يكشف البيان الذي أصدره رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الشيخ عبد الرحمن شيبان حول المحاضرة التي ألقيتها في المكتبة الوطنية ، وحول حديثي في جريدة "الشروق"، عن ثلاث قضايا رئيسة لا تعنيني، وحدي، شخصيّاً، بقدر ما يجب أن تعني العلماء المسلمين أنفسهم، بخاصّة، والمسلمين جميعاً، بعامّة. ذلك أنها تتّصل بأصول الحوار، وموضوعية المعرفة وعدل أهلها، والمماهاة بين النصّ الديني والرأي الشخصيّ.
هناك من ناحية عدوانٌ وتجريح، باسم النصّ الديني ذاته الذي يماهي فضيلة الشيخ بينه وبين رأيه الخاصّ، ودون أي مستنَد يتيح له مثل هذا الاتّهام. فهو يصف كلامي بأنه "أباطيل الشيطان" و "أراجيف وقحة"، ويطلق عليّ أحكاماً قاطعة فيقول إنني "إباحي" ، و "ملحد " و "من الآمرين بالمنكر الناهين عن المعروف". هذه الاتّهامات والأحكام أطلقها فضيلة الشيخ دون أن يعرفني ودون أن يطّلع على نصّ المحاضرة. وتلك مصيبةٌ في المعرفة. وإذا كان اطّلاعه على المحاضرة هو ما جعله يطلق أحكامه فتلك مصيبة أعظم، لأنّ ذلك يشير إلى عدم التدقيق وعدم التأمّل في ما قرأه. وهذا يتنافى مع الموضوعية ومع أخلاقية الحوار المعروفة تاريخيّاً، منذ عهد النبوة.
والأخطر من هذا كلّه، هو أننا لا نعرف عالماً في تاريخ الإسلام تجرّأ على القول إنّ رأيه هو نفسه ما يراه الإسلام، كما يفعل فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان. وإذا كان الله يخاطب نبيّه قائلاً: "إنّك لن تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء" فإنّ فضيلة الشيخ انتدب نفسه لمهمة أكثر صعوبة هي "تكفير " من يشاء.
ومن أصغى إلى محاضرتي، أو قرأها، يعرف تماماً كيف أوضحت بدئيّاً، أنّ كلامي لا يتناول الإسلام بوصفه وحياً أو نصّاً، وإنّما يتناول الممارسة التاريخية، باسمه. وما قلته يندرج في إطار النقاش الذي مارسه المسلمون القدامى في مختلف اتّجاهاتهم. وأغلب الظنّ أنّ فضيلة الشيخ لم يقرأ المحاضرة، كما أشرت، أو أنه لم يتمعّن فيها، إذا كان قرأها. وأنا أتمنّى عليه أن يأتي بجملة واحدة فيها تتيح إطلاق أحكام كتلك التي يطلقها.
إنّ العبارات التي يستشهد بها فضيلة الشيخ في بيانه يستلّها معزولةً عن سياقها، من ندوة "الشروق". وإذ أشكر هنا رئيس تحرير هذه الجريدة الكريمة الحرة، وجميع العاملين فيها، خصوصاً المحررين الذين شاركوا في الندوة، أتساءل هل يحق لعالم أن يعتمد للحكم على شخص سلباً أو إيجاباً، نصّاً لم يُكتَب بلغته شخصيّاً، وإنما كتبه آخر غيره، مهما كان هذا الآخر أميناً؟ خصوصاً أنني أكدت في الندوة ذاتها، أنّ حديثي هنا لا يتناول الدين في ذاته، وإنما يتناول حصراً طريقة فهمه، وممارسته في الحياة والثقافة.
مثلاً على ذلك لا يمكن أن أقول إنّ "العودة إلى الإسلام تعني انقراضنا الحضاري"، في المطلق. وإنما قلت وأقول إنّ العودة إلى الإسلام كما يُفهَم اليوم ويُمارَس إرهاباً وعنفاً وانغلاقاً ورفضاً للآخر، وتكفيراً له، هي التي تؤدي إلى انقراضنا الحضاري. ولا أقول هذا وحدي.
هكذا نرى أنّ الشيخ الجليل يعزل الكلام عن سياقه، خصوصاً أنه يجهل كتاباتي. و هو كعالم في الدين يُفترَض فيه أن يكون عالماً في اللغة. يُفتَرَض فيه إذًا أن يعرف تماماً أنّ أي تغيير في صوغ العبارة أو عزلها عن سياقها يؤدي إلى تغيير في دلالتها. مثل هذا العزل يؤدي مثلاً إلى قراءة الآية: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، إلى قراءتها على الوجه التالي: " لا تقربوا الصلاة ". وهذا ما فعله تماماً رئيس جمعية علماء المسلمين الجزائريين.
من ناحية ثانية يفصح بيان فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان عن النظر إلى الإسلام بوصفه مجرد فقه وشرع، ومجرد أمر ونهي، أي مجرد حدود. وهكذا يقفل آفاق التأمل، ويقيم سدّاً منيعاً بينه وبين الثقافة التي تقوم جوهريّاً على التساؤل و"طلب العلم" من أقصى الينابيع، كما تقوم على البحث والاختلاف ومعاناة الشكّ والتماس اليقين؛ فيقلّص هذه الآفاق ويختزل هذا النزوع ويجعل من الحياة والفكر والعلم والتقدّم ومن الإنسان نفسه صورةً لهذا التقليص وهذا الاختزال. ومن حقّ أيّ مسلم أن يخالف هذا النظر. خصوصاً أنّ المرجع الأساس للمسلم ليس الشخص أيّاً كان، وإنما هو النصّ ذاته. فليس في الإسلام وسيط بين المسلم والنصّ إلاّ العقل والتعقّل، وإلاّ البصيرة والاستبصار.
من ناحية ثالثة، ربما كان عليّ أن أقرأ نص الحوار في "الشروق" قبل نشره. وليس هذا نقداً لأي محرّر، وإنما هو نقد لنفسي، حرصاً على مزيد من الدقّة، خصوصاً في قضايا هي موضوع خلاف عميق بين المسلمين. وأنّ أي انزياح لفظي في التعبير قد يؤثر في المعنى. غير أنني كنت واثقاً أنّ الحوار امتداد للمحاضرة، وأنّ وعي الجزائريين أرفع وأعمق من أن يقع في التبسيط والاختزال، وبينهم من يعرف أفكاري بدءاً من " الثابت والمتحوّل "، ويدركون أنني ميّزت دائماً وأميّز، في الكلام على الإسلام، وعلى كلّ دين ، بين نصوصه الموحاة من جهة، وتأويلاتها في الممارسة والتطبيق، من جهة ثانية، كما أشرت سابقاً، وأنّ نقدي، تبعاً لذلك، لا يتناول الدين في ذاته، وإنما يتناول حصراً الإطار التاريخيّ البشريّ، ومن ثمّ الجانب التأويليّ التطبيقيّ في الحياة والثقافة والدولة، أي ما صنعته اجتهادات البشر ونزعاتهم وظروفهم البيئية وحكوماتهم وأحكامهم.
واليوم في خضمّ التحولات وتداخل الحضارات واحتدام الصراعات، يصعب التفكير في الحاضر دون الاستضاءة بأفق التاريخ. و هذا التاريخ الممتدّ حتى اليوم والذي صنعه البشر، ليس معصوماً، وهو مرجعنا وملْكنا جميعاً، كما أنه تراثنا وموضع بحثنا وتأملنا، ونحن امتداده في العالم. فمع الاطّلاع على المراجع الأخرى لمعرفة العالم المحيط، لا نقدر ألاّ ننطلق في البحث من ذواتنا ومن معرفة موضوعية بتاريخنا في جميع أبعاده.
هكذا يبدو أنّ هذا البحث في التاريخ، تاريخ الدول الإسلامية وحكوماتها المختلفة هو ما يراه فضيلة الشيخ كفراً وأباطيل شيطانية.
وهذا هو ما رأت فيه السيّدة خليدة تومي، وزيرة الثقافة، "انزلاقاً فكريّاً خطيراً".
2
أخطر ما في هذه القضيّة هو أنها تحدث في الجزائر بلد "الثورة" الأكثر علوّاً في العالم العربيّ، ضدّ استعمار "المادة " و " الروح "، وأنّ إعادة استعمار "الروح" الجزائرية تجيء من الروح نفسها، أي من " الثقافة". والأخطر من هذا كلّه أنّ هذا التطرّف ضد حريّة الثقافة يجيء على يد امرأة هي السيّدة خليدة تومي، باسم الثقافة نفسها، وبدعوى "الانزلاق الفكريّ الخطير"!
نعم امرأة، لم يكن ممكناً أن تصل إلى منصب وزارة الثقافة لولا أفكار التحرر والتطوّر التي أنتجتها ثورة الجزائريين نساء ورجالاً.
*
"أنا امرأة من الشرق أهوى عبوديتي " قالت الشاعرة الراحلة فدوى طوقان مرةً، ساخرةً، بنبرة الدمار والفاجعة.
الويل للمرأة العربية المسلمة وللمجتمع العربيّ برمّته من هذه "العبودية المختارة" !
"العبوديّة المختارة" هي القبول بقتل الطاقة الأكثر حيوية لإنسانية الإنسان: طاقته الخلاّقة الحرة. أعني قتل التساؤل والبحث والتطلّع إلى آفاق إنسانية ومعرفية في مناخ من المسؤوليّة البصيرة الحرّة. هذا "القتل" هو بالضبط، ما يولّد الخطر، لا على الثقافة وحدها، وإنما على المجتمع أيضاً. فحين يتمّ التوكيد على الحرية كقيمة مناقضة للدين والتديّن فما يكون الأفق الذي يبقى للإنسان؟ وما يعود معنى ثورة الحرية وثورة المعرفة؟
من "التحريم" والقيد والانغلاق يجيء الخلل والخطر، وليس من الحرية. إنّ تقييد الاندفاع الكيانيّ الحرّ يعني تغييباً للعمل الخلاّق، وللفكر الخلاّق، وللفنّ الخلاّق.
إنّ موقف السيدة الوزيرة دليلٌ آخر على أنّ "الثورة" العربية التي حملت تطلّعات الملايين ورُويت بدمائهم قد انقلبت في بلدان عربية عديدة إلى ما يناقض مبادئها، وطوّرت قيوداً أخرى على الإنسان، امرأةً ورجلاً، وعلى حقوقه وحرياته. ومن العبث في هذا الإطار العمل لتحقيق التحرر السياسي، والتمسك في الوقت ذاته، بالعبودية المختارة ـ في حقول البحث والتساؤل والاستقصاء، معرفيّاً وإنسانيّاً. فالحرية لا تتجزّأ. ليس هناك ربع حرية، أو نصف حريّة ! ولا مكان للثقافة الحقيقية في أي مجتمع إلا بممارسة الحريّة كاملة، وإلاّ بالخروج كلّيّاً من "المحرّم" الفكري، ومن تخومه كلّها.
دون ذلك لن يكون الكلام في الجزائر، وفي المجتمعات العربية كلّها، إلاّ شكلاً آخر من الامتناع عن الكلام، أو من "قتل" اللغة. ولن يكون الكلام نفسه إلاّ رقابةً من نوع آخر. الكلمة هي أساسيّاً فعل تحرّر. هكذا نشأت في العلاقة الثلاثيّة: علاقة المتكلّم بنفسه، وبالآخر، وبالعالم. وهكذا مورسَت، منذ نشأة اللغة. وتُمارَس اليوم في معظم المجتمعات التي تنهض على احترام الكائن البشريّ وحريّاته وحقوقه.
لكنها في المجتمعات العربيّة الراهنة، ويا للغرابة، تكاد أن تكون على النقيض الكامل من ذلك: فهي مسألةٌ "أمنية"، ويُنظَر إليها إمّا بوصفها "حراسة"، وإمّا بوصفها "إخلالاً" أو "كفراً". و هذه نظرة تنتج عن النظرة الأكثر شمولاً وخطورة، والأكثر تهديداً لا للثقافة العربية وحدها، وإنّما للإنسان العربيّ ذاته، وأعني بها النظرة التي ترى إلى الثقافة بوصفها جزءاً من السياسة، جزءاً ثانويّاً وظيفيّاً. وطبيعيّ في هذه الحالة أن يكون مستوى الثقافة تابعاً لمستوى السياسة التي تهيمن عليها: قل لي أيها البلد ما سياستك أقل لك ما ثقافتك.
ولست في حاجة إلى الكلام على هذين المستويين في البلدان العربية، فالجميع يعرفونهما أكثر منّي، أو على الأقلّ كما أعرفهما.
أكتفي هنا بالإشارة إلى أنّ السياسة في تحويل معنى اللغة من كونه الفاعلية الأولى في تعبير الإنسان عن وجوده وعلاقاته وحرياته، إلى كونه الفاعلية الأولى في الرقابة عليه، وفي إخضاع كلامه لمقتضيات السياسة القائمة، إنما تنشئ مجتمعاً لا يجتمع فيه البشر إلا على "العبودية" والخضوع" "، أي بمعنى ما ، على فعل " جُرْميّ " . وآنذاك يبدو هذا الفعل "الجرمي" الذي يتّخذ غالباً اسم "الفعل الأمني" كأنه العنصر الوحيد الذي يوحّد البشر.
ويبدو، تبعاً لذلك أنّ المجتمع الذي يقوم على هذا النوع من "الوحدة" لا يحيا إلا بقتل أبنائه، بشكل أو بآخر (قمعاً أو سجناً أو نفياً...إلخ..) و كأنه لا يتحرّك إلاّ بـ "دماره"، ولا يفتخر إلا بأنقاضه.
أختتم محيياً بإكبار وإعجاب شجاعة الصديق الكبير أمين الزّاوي الكاتب والمناضل التنويري، والسيدة الكبيرة جميلة بوحيرد، الرمز المشرّف لنضال المرأة الجزائرية، والأستاذ الشاعر جيلالي نجاري ومدير عام جريدة "الشروق" الأستاذ علي فضيل ومحرريها، وجميع الكتّاب والمثقفين الجزائريين الذين يواصلون نضالهم الفكري لتكتمل ثورة الجزائر التحررية الوطنية ـ السياسية بثورتها التحررية الفكرية، ثورة احترام الإنسان وحقوقه، ثورة الحرية والإبداع والتقدّم


samedi 20 décembre 2008

كان سيضربه بالرصاص فى لحظتها

تخيل لو كان مراسل أو مصور صحفى مصرى فى مؤتمر بين رئيس مصر وشيمون بيريز رئيس إسرائيل أو أى من رؤساء وزراء إسرائيل أولمرت أو نتنياهو أو غيرهما وانفعل هذا المراسل وأمسك بجزمته وقذف بجوز الجزمة رئيس أو رئيس وزراء إسرائيل الذى احتل ويحتل أرضا عربية «لعلكم مازلتم تتذكرون أن فلسطين محتلة»، ويحاصر حتى التجويع والإبادة شعبا عربيا فى غزة، ويمارس نازية وعنصرية بشعة على الشعب الفلسطينى فى كل أرجاء الأرض المحتلة، رمى الصحفى أو المصور بجوز الجزمة على قاتل الأطفال فى قانا وكل مجزرة إسرائيلية ضد أطفال فلسطين الأبرياء، هل كان ساعتها سيخرج علينا إعلاميون ونقابيون وصحفيون وسياسيون يهللون لقذف بيريز أو أولمرت بالجزمة؟

إطلاقا ولا يمكن ومن المستحيل، بل كان كلامهم سيتبدل ويختلف خوفا وذعرا من غضب الرئيس وانتقام الدولة وهجمات منافقى الرئيس وجحافل رجال المباحث فى شتى وسائل الإعلام التى كانت ستندد وتستنكر وترفض
ثم هذا المصور أو المراسل نفسه كان سيتعرض لصنوف من التعذيب والإهانة والمحاكمة السريعة التى ستذهب به إلى السجن مباشرة وسط زفة ترحيب وتنديد بمن يدافع عنه، ماذا لو فعلها صحفى أو مصور صحفى فلسطينى فى قاعة مؤتمرات تجمع الوزير الحقل أحمد أبو الغيط مع إيهود باراك أو ليفنى أو أولمرت إعلانا عن غضب وسعيا لانتقام الشعب الفلسطينى، هل كانت مصر ستصمت وتحيى وتبارك ووراءها كما فعلت فيالق المهنئين والمباركين والمتعاملين مع جزمة بوش على اعتبارها معركة استرداد الكرامة؟


لكن المشهد مختلف لأن الذى حدث كان فى العراق وجرى مع الرئيس الأمريكى بوش وهو ما كان ليجرؤ عليه هذا المصور أو غيره لو فى مواجهة صدام حسين مثلا الذى كان سيضربه بالرصاص فى لحظتها، ولأن هذا المصور كما معظم الشعب العربى أجبن من أن يفعلها مع حاكم عربى لأنه مواطن متربى على عبادة رئيسه والركوع والسجود لحاكمه «حاول تفتكر ماذا جرى لمواطن مصرى فكر أن يقدم للرئيس ورقة بمطلب ما مات برصاص حرسه» مشهد رمى جزمة فى وجه رئيس لم يكن ليحدث أبداً فى مؤتمر صحفى لأى حاكم عربى من المحيط إلى الخليج لأن هذه المؤتمرات تتم تحت حماية الأمن المشدد والأمن الرئاسى وكل من يتنفس من المدعوين والحاضرين فى هذه المؤتمرات مرصود أمنيا ومعروف اسم عم جدة بنت خالة مراته وتحت السيطرة السياسية والأمنية، ومن يشم الأمن رائحة مقلقة منه يُستَبْعدَ ويُمنَع فورا
ما كان لصحفى أو مصور تليفزيونى عربى أن يفعل هذه الفعلة وينجو وما كان له أن يفعلها أصلا فى مواجهة حكام عرب قتلوا وسجنوا وعذبوا وأفلسوا شعوبهم ودنسوا أوطانهم

ومع ذلك فإن هذه الفعلة سواء جرت مع جورج بوش أو مع أى رئيس أو حاكم عربى أو حتى مع رئيس أو رئيس وزراء إسرائيل فهى عمل شائن وحقير ومرفوض ومنبوذ وعاجز وجبان أيضا

مرة أخرى حتى أؤكد ما قد تشك أو تشكك فيه، هذا هو رأيى إلقاء جزمة على بوش أو على أى رئيس أو ملك عربى بل حتى على رئيس إسرائيلى صهيونى أمر منبوذ ومشين ومهين لأى عربى

أولاً الصحفى فى مؤتمر صحفى أيا كانت أطراف هذا المؤتمر مهمته مهنية حرفية ملتزم باحترامها وتوقيرها وموقفه الحقيقى يعبر عنه فى سؤال صحفى سواء كان مؤيدا أو معارضا مستفزا أو باردا، يستجلى فيه الحقيقة ويكشف فيه الواقع، لكن أن يحضر مؤتمرا صحفيا ليضرب أيا من أطرافه فهذه قلة أدب، له أن يسأل فيقول إنك يا سيدى الرئيس ديكتاتور أو إنك يا مولانا الملك ملك مستبد أو حتى لص أو يسأل بوش مثلا عن كذبه الحقير على الرأى العام العالمى بوجود أسلحة دمار شامل فى العراق، لكن أن يتجاوز الصحفى أو المصور مهمته ويضرب أو يسب أو حتى يهتف فهذا إخلال بالمهنة وبكرامتها وآدابها «المدهش أن الذين يطالبون الصحفيين باحترام ميثاق الشرف الصحفى هللوا لهذه الفعلة التافهة كأنه فصام عقلى متفاقم لدى إعلاميين وسياسيين يستحقون الذهاب لطبيب نفسى»

ثانياً لأن رمى حذاء فى وجه رئيس «أيا كان» عمل ينم عن عجز وعن طفولية وعن تفاهة، فالذى لا يستطيع أن يعبر برأيه وعن رأيه والذى لا يقدر على المواجهة بالمنطق والحجة والبرهان هو الذى يمد يده ليرفع حذاءه ضد خصمه أو يلكم محاوره أو يعتدى عليه

ثالثاً إن الحوار إذا تحول بيننا وبين خصومنا أو أعدائنا إلى ضرب أحذية متبادل فى مؤتمرات صحفية فهذا يجعل الخلاف رخيصا جدا ويهبط بمستوى الصراع بين العرب وخصومهم إلى مستوى متدن، ولعلك تذكر حين كان كثير يكتفى فى معركته مع تل أبيب بأن يشتم نتنياهو ويطلق عليه لقب النتن ياهو أو يصف شارون بالخنزير، وبينما كنا نسعد ونرتاح ونعمل فيها رجالة بشتيمة هذا أو ذاك كان كلاهما وغيرهما يضربان وطننا وأرضنا وقضيتنا بالصرمة القديمة لكنها صرمة بالدبابات وبالمذابح وبالرصاص وليست شتيمة تلف تلف وترجع لصاحبها
رابعاً لم يحدث فى أى حركة نضال شريفة ومقاومة نبيلة على مدى التاريخ العربى مثل هذه الأفعال الوضيعة، فلم نشهد سياسيا أو صحفيا من فتح أو حماس على خلافهما العميق يضرب وزيرا إسرائيليا فى مؤتمر عقب مفاوضات، أو صحفيا من حزب الله أو مصورا من محطة المنار يرفع صوته بشتائم أو يده بحذاء أمام وزيرة خارجية أمريكا بعد حرب وحشية وسافلة وفاشلة على حزب الله فى لبنان، ما هكذا أبدا يفعل المناضلون الشرفاء
خامساً لم تعلمنا حضارتنا العربية أن نستقبل ضيوفنا ورسل أعدائنا أبدا بهذا السلوك المتدنى، فهذا الرئيس الأمريكى سواء كان عدوا يزور أو رسولا لعدو فله حق الضيافة والأمان حتى لو كان قاتلا أباك فأنت لم تلتق به فى ميدان قتال ولا فى لحظة حرب، بل هو فى مؤتمر صحفى حاصل على أمانك فالاقتراب منه بأذى نسف لكل فروسية أو تدين لأى عربى مسلم أو مسيحى

ثم ماذا أخذنا من هذا التصرف؟

للأسف هذا التصرف الخائب كشف شعبنا العربى الأكثر خيبة، شعب عاجز عن عمل أى موقف فعلى وفاعل محترم ومؤثر فيفرح كالطفل بضرب خصمه المستأمن، الفرح والشماتة التى أصابت معظمنا فى العالم العربى شىء كاشف عن أمة ضحكت من جهلها ومن جزمتها الأمم، فهل ارتحتم يا أخويا أنت وهو من ضرب بوش بالحذاء؟ خلاص اتكيفتم؟ هدأ بالكم وعملتم فيها فرسانا واستبدلتم حملة الأسهم والرماح والنبال بحملة الأحذية والنعال وبتتشطروا على راجل واقف فى مؤتمر صحفى مش واخد باله أهذا أقصى ما تملكه الروح العربية الآن فى مواجهتها للسياسة الأمريكية؟ طيب الشعب الأمريكى استطاع أن يضرب بوش واليمين الأمريكى بحذاء حقيقى ومهم وقوى مؤثر حيث طردهم تقريبا فى انتخابات حرة شريفة نزيهة من على مقاعد حكم العالم، فهل تستطيعون أنتم تصفية حسابكم مع حكامكم بل وقاتليكم ومحتليكم بالسلاح الأنكى والأدهى والأقوى وهو الديمقراطية والحرية أم تتصرفون كالأطفال والعبيد العجزة؟
هل رمى الجزمة على بوش تعبير عن غضب العرب تجاه سياسته؟

كويس والله طيب أين هذا الغضب، لماذا لا نراه فى أفعال مقاومة فى العراق اللهم إلا بعض اللحظات النادرة؟، فما نراه فى العراق فعلا من غضب هو غضب إرهابى يقتل العراقيين وليس جنود الأمريكان غضب شيعى ضد السنة وغضب سنى ضد الشيعة وحرق مساجد وأضرحة للمذهبين وقتل مئات وآلاف من الفريقين ونسف وذبح وبشاعة لا تنتهى أين مظاهر الغضب ضد بوش وسياسته غير جزمة الأخ المراسل العراقى مع هذا الحصار الإسرائيلى لغزة والاحتلال الصهيونى لفلسطين، أين غضبكم وأنتم تتركون شعبا يفنى ووطنا يضيع بل ورفقاء السلاح يتصارعون على فتات السلطة وكأن مساجين حماس وفتح يتعاركون على من يدير السجن سجن الضفة وغزة الذى حبست فيه إسرائيل شعبا وبلدا؟
ثم يا جماعة يا بتوع الجزم إذا كانت جزمة الأخ المراسل قد أعجبتكم لأنها رد انتقامى على غزو أمريكا واحتلالها العراق فأحب أن أذكركم لأن شكلكم فعلا نسيتم بأن أمريكا ليست وحدها التى احتلت العراق، بوش بسياسته اليمينية التضليلية المجرمة غزا العراق لكن كان معه عملاء عراقيون وكذلك أنظمة عربية، تلك التى فتحت قواعد عسكرية لأمريكا فى أراضيها لضرب العراق وأخرى التى انطلقت من قواعدها الأمريكية طائرات وصواريخ ضرب العراق وتلك التى أمدت وعاونت وتعاونت، وهذا النظام الذى سمح للجيش الأمريكى بالطيران فى سمائه والسفر جوا وبحراً لضرب العراق وهذا النظام العربى الذى وقف متفرجا وتعاون متحمسا مع بوش لضرب العراق كل هؤلاء الرؤساء والملوك والأمراء العرب شاركوا فى احتلال العراق فلماذا لا تضربونهم إذن يا بتوع الجزم بما ضربتم به بوش؟
ألم أقل لكم إنه الجبن والخوف؟

إن أمتنا العربية ليست فى حاجة إلى أحذيتنا بل فى أمس الحاجة إلى عقولنا التى هبطت لتسكن فى نعالنا

http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=10321&Itemid=64

vendredi 19 décembre 2008

Brahma, le maître des Dieux

Une vielle légende hindoue assure qu’il y eut un temps ou tous les hommes étaient des Dieux. Mais ils abusèrent tant de leur divinité que Brahma, le maître des Dieux, décida de leur ôter le pouvoir divin et de le dissimuler en un lieu ou il leur serait impossible de le retrouver. La difficulté fut de trouver la bonne cachette. Convoqués à un conseil pour résoudre ce problème, les Dieux mineurs suggérèrent : «Enterrons la divinité de l’homme dans la terre. » Brahma répondit : « Cela ne suffira pas car l’homme creusera et la trouvera ». Les Dieux mineurs proposèrent alors « Dans ce cas jetons la divinité au plus profond des océans - Non, dit encore Brahma, car tôt ou tard, l’homme explorera la profondeur des océans et il est certain qu’un jour il l’y découvrira et la remontera à la surface ». Les Dieux mineurs conclurent « Nous ne savons pas où cacher la divinité puisqu’il ne semble pas exister sur terre ou dans la mer d’endroit que l’homme ne puisse atteindre un jour ». Brahma réfléchit et rendit son verdict « Voici ce que nous ferons de la divinité de l’homme : Nous la cacherons au plus profond de lui-même car c’est le seul lieu ou il ne pensera jamais à la chercher ». Et depuis, dit la légende, l’homme a fait le tour de la Terre. Il a exploré, escaladé, plongé et creusé sans jamais découvrir ce qui se trouve en lui.
En parcourant cette légende, on se rappellerait que Lacan insiste qu’il y a quelque affinité entre la recherche qui cherche et le registre religieux où se dit couramment : Tu ne me chercherais pas si tu ne m’avais déjà trouvé . La découverte du message divin originel est découverte ou plutôt redécouverte de ce qui est en nous et dont on se souvient sans se souvenir. Cette redécouverte ne peut se faire qu’au terme d’un long et difficile périple en soi à la recherche de Dieu.
Le dhikr, chemin vers la paix n’est pas une action consciente, ce n’est pas une suite d’actions canonisées et régularisées, et il ne fait pas suite à une obsession par le religieux que Vasse a joliment nommé « forcing spirituel ». Le dhikr est rappel inconscient et profond du message divin antérieur à l’être, il est rencontre avec l’esprit de Dieu insufflé en l’homme . Nous connaissons ce message sans pour autant pouvoir l’objectiver, c’est une connaissance analogue à celle de l’inconscient structuré comme un langage, nous instituant en sujets mais échappant à toute représentation consciente. D’ailleurs le verset 172 de la sourate 7 explicite que l’homme a été témoin de la divinité : « Quand ton Seigneur tira une descendance des reins des fils d’Adam, il les fit témoigner contre eux-mêmes : Ne suis-je pas votre Seigneur ? Ils dirent : Oui, nous en témoignons. Et cela pour que vous ne disiez pas le jour de la Résurrection : Nous avons été pris au dépourvu ».

http://olfayoussef.blogspot.com/2008/12/blog-post_19.html

jeudi 18 décembre 2008

لقاء فكري مع الدكتورة ألفة يوسف




انعقد في إطار منتدى التقدم بمقر جريدة الوحدة يوم الجمعة 12 ديسمبر الجاري لقاء فكري مع الدكتورة ألفة يوسف حول حدود تأويل النص الديني ، شارك فيه عدد من المثقفين الجامعيين والإعلاميين والحقوقيين.
وقد انطلقت المحاضرة بالتذكير بما اعتبرته بدائه ينبغي الاتفاق حولها، وهي أن القرآن يظل نصا لغويا قابلا للقراءة والتأويل. مشيرة بالاستناد إلى السيوطي إلى الاختلاف القائم حول نزول القرآن باللفظ والمعنى أم بالمعاني فقط، كما أن القرآن نص لا يتكلم وإنما يتكلم الرجال وأن الله صاحب هذا النص بالنسبة لنا غائب لا يمكن الاتصال به. وإذا كان هناك مبدئيا حدود للتأويل فإنه يعسر ضبطها باعتبار ثلاثة عوامل أساسية لتوسيع حدود التأويل:
أولا المجاز وهو أن يدل المعنى إضافة إلى المعنى الوضعي الأول إلى معنى مجازي ثان، وذكرت مثال الآيات القرآنية "مرج البحرين يلتقيان… يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان،" حيث ذهب كثير من أهل الشيعة، وهم أيضا قراء للقرآن الذي يحصره البعض في تفسير الطبرى، أن البحرين هما علي وفاطمة وأن اللؤلؤ والمرجان هما الحسن والحسين، ومع ذلك، فإن اتساع التأويل بالمجاز يظل محدودا ونسبيا على الأقل بقواعد الجنس والعدد مثلما نجده كذلك في سورة يوسف " يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين" أحد عشر كوكبا هم أئمة الحق والشمس والقمر محمد و فاطمة. كما أشارت في باب الماورائيات إلى قضايا أخرى مثل المشبهة والمجسمة وصفات الله والآخرة (الجنة والنار) وما تطرحه من إشكاليات حول المثل والصورة رمزية أم حسية (قد تبدو للبعض " مبتذلة").
العامل الثاني من عوامل توسيع حدود التأويل هو اتساع المقولة، وقدمت ألفة يوسف مثالا طريفا وهو حديث القرآن عن " أصحاب الجنة الذين هم في شغل فاكهون" فرغم أن كلمة شغل كلمة عامة، تفيد كل ما يمكن أن يقوم به الإنسان، فإن جماعة من المفسرين القدامى ذهبوا في تأويلهم إلى نوع من أنواع الشغل وهو افتضاض العذارى؟ وهذا أيضا تصور ممكن!! لأن النص القرآني لا يذكر تحديدا لهذا الشغل. كما أعطت مثالا آخر ضمن اتساع المقولة يهم مسألة الخمار أوالحجاب التي اعتبرت أنها اتخذت اليوم أبعادا سياسية مسطحة جدا، فقول الله "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها"، لا يبين ما هي هذه الزينة الظاهرة؟ ولذلك اختلف فيها الفقهاء بين قائل إنها الوجه والكفان وقائل إنها العينان فقط وقائل إنها عين فقط وقائل إن الشعر يدخل في الزينة الظاهرة وسواها من التأويلات الأخرى، وكذلك الأمر بالنسبة إلى معنى النشوز الذي يسمح للرجل أن يضرب زوجته. أما أقصى مدى للتآويل غابت فيه الحدود في رأي المحاضرة فهو تأويل آية النور التي أحصت لها أكثر من ثلاثين تأويلا يجتمع فيها المجاز والاتساع. ولاحظت أن حدود التأويل مائعة إلى درجة أن البعض يعتبرون أن في القرآن بذورا للعلوم الحديثة، متسائلة إن كان الأمر كذلك فلماذا لم تكتشف هذه العلوم الحديثة من قبل المسلم؟ ولماذا انتظرنا اكتشافها حتى نتبين أنها موجودة في القرآن.
وردا على مسألة المحكم والمتشابه في القرآن التي قد ترفع ؟ تساءلت ألفة يوسف بدورها عمن يحدد الآيات المحكمة من الآيات المتشابهة وأين هي؟ مؤكدة أن هذا أيضا من وجوه تعدد التآويل وعدم وجود حدود لها. واستشهدت بالرازي الذي يقول إن كل فرقة تسمي الآيات الموافقة لمذهبها آيات محكمة والآيات التي لا توافق مذهبها آيات متشابهة.
ثم انتقلت إلى ما يعرف بآيات الأحكام (وهي الأهم في رأيها) والتي يدعي البعض أنه لا مجال للتأويل فيها، بدعوى أنها واضحة قطعية ونهائية وأنها هي التي تمكننا من التشريع ومن إنشاء ما يسمى " الدولة الإسلامية". و هي التي تطرح اليوم مشاكل أكثر من تلك المتعلقة بالغيب وشغل أهل الجنة. وأخذت مثلا حد السرقة، وانطلاقا من المفسرين لاحظت أن هناك من أول القطع على أنه البتر، وهذا ما تطبقه فعلا بعض الدول التي تقول أو تدعي أنها إسلامية، ولكن هناك من أول القطع بأنه قطع الدوافع التي تحمل الإنسان على السرقة أي تنظيم المجتمع بشكل " فاضل مثالي يجعل الإنسان لا يشعر بداع إلى السرقة" متسائلة: هل يكون هذا التأويل هو الذي اعتمده عمر بن الخطاب ليعطل الحكم بآية صريحة أي ليؤول النص تأويلا آخر سنة المجاعة بما لا يستقيم مع قول الرسول " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". في حين يحاول بعض المحدثين قراءة المسألة قراءة سياقية مثل الصادق بلعيد الذي يقول إن هذه العقوبة قد تجد تفسيرا بالرجوع إلى المناخ الطبيعي والبشري لذلك المجتمع المتسم بالقوة والقسوة في محيط معين. كما رأى أن جلد الزاني قد تعرض للإهمال في الواقع لأن الزنا جريمة صعبة الإثبات وفق النص الديني الذي يتطلب وجود أربعة شهود من الرجال على عملية الزنا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحرابة وتعدد تآويلها هل هي الخروج على الحاكم أم التعدي على ممتلكات الناس أم هي خاصة بعهد الرسول ومدى صلاحيتها في عصرنا.
وهذا يبرز أن دخول السياق والمقام في تأويل القرآن والسنة إلى جانب المجاز واتساع المقولة كعامل من عوامل توسيع حدود التأويل يجعل المعاني التي يمكن أن نصل إليها بلا أي حد، و الواقع الذي نراه حولنا، يؤكد اختلاف التشريعات في البلدان التي تدعي أنها إسلامية وتطبق القوانين باسم الإسلام إلا في بعض الجوانب الجزئية المتعلقة بالأحوال الشخصية، أما الرق وملك اليمين، الذي لم يحرمه القرآن والسنة، فتمنعه هذه التشريعات. وتساءلت ألفة يوسف لماذا يقتصر استعمال القراءة السياقية أو المقاصدية على منع الرق ولا يمكن أن يدخل على مجالات أخرى كإلغاء الإعدام مثلا أو المساواة في الميراث أو قيادة المرأة للسيارة وغيرها من القضايا...وهذه مسألة هامة تؤكد أن مشكلة التأويل في النص الديني هو أنه قضية سلطة قبل أن يكون قضية نص لغوي. وإذا كان للتأويل حدود فمن يحددها؟ وتجيب: لا أحد، إلا السلطة. وترى المحاضرة أن ما لم نستطع أن نقوم به في هذه البلدان، هو الحداد على المعنى الأصلي للقرآن الذي غاب ، فكلمة تأويل تعني العودة بالشيء إلى أصله والأصل لا يمكن أن يعرفه أحد، "وما يعلم تأويله إلا الله" مذكرة بقول الزركشي إن القرآن كلام لا يمكن أن نعرف معناه إلا عن الرسول وذلك متعذر باستثناء آيات قلائل وبعد موت الرسول تكلم الناس كل برأيه، و ما يحصل هو أن صراعاتنا هي صراعات حول امتلاك المعنى البشري. وأشارت بالرجوع إلى فوكو إلى امتلاك المعنى باعتباره امتلاكا للسلطة.
وأكدت أن الصراعات التي نشهدها اليوم ليست صراعات دينية وإنما هي صراعات سياسية، معربة عن قلقها من الوهم الذي يبث بوجود معنى نهائي للنص وتأويل واحد للقرآن (مثلما تفعل عديد القنوات الفضائية)، وادعاء كل واحد أنه أقرب إلى الله. وطالبت الأستاذة ألفة يوسف بنوع من التواضع والحياء المعرفيين والسياسيين حتى نخرج البعد الديني و الله من صراعاتنا السياسية المباشرة، ثم عرجت على كتابها الأخير الذي أثار الكثير من الجدل (حيرة مسلمة) لتؤكد أن أي تأويل سيظل دائما إمكانا بشريا خاطئا، ولاحظت أن أهمية الفكرة الأساسية التي تتمسك بها والقائلة بأن كل قراءة ممكنة تكمن في أنها تخرجنا من مجال السلطة المطلقة الدينية إلى مجال السلطة النسبية البشرية السياسية، ، فلا يحق لأحد (أو لأي دولة) أن يدعي امتلاك حقيقة النص الديني ويسعى إلى فرض رأيه، وعلى المثقف اليوم أن يتصدى لهذه الكذبة أساسا، فليس هناك شيء اسمه حقيقة في تأويل النص الديني، و ليس هناك شيء اسمه دولة إسلامية أو تشريع إسلامي وإنما هناك تشريعات إسلامية، وإذا أصبحنا إزاء تشريعات لم نعد إزاء تشريع إلهي، لأن الله واحد، فإذا أصبحت تشريعات أصبحنا إزاء تشريعات بشرية، ولذلك فإن الفكرة الأساسية التي تريد أن تقولها هي: ليس هناك تشريع اسمه تشريع إلهي، كل التشريعات وضعية وإن ادعت أنها تستند إلى الإلهية. كل التشريعات بشرية، وإنما هناك نوعان من التشريعات: تشريع وضعي يتحمل مسؤوليته كوضعي ويقول لك نعم نحن البشر أنشأنا تشريعا وضعيا قابلا للنقاش والنقد والتطوير. وتشريع وضعي أنشأه بشر ولكنهم يدعون أنهم يمثلون الله على الأرض. هذا هو الفرق. ليس بين تشريع وضعي وتشريع إلهي ولكن بين تشريع وضعي يتحمل مسؤولية نفسه وتشريع وضعي لا يتحمل مسؤوليته.
وقد أثارت هذه المحاضرة نقاشا ثريا شارك فيه الأستاذ سامي ابراهم الذي شدد بدوره على أن تعدد المعنى هو أيضا قيمة لا يمكن الحديث من دون ترسخها في الضمير الجمعي عن الحرية أوالديمقراطية. لأن غيابها يكرس ديكتاتورية المعرفة. واعتبر أن القرآن ليس جوهرا بل نص بلغة بيانية وجه لمجموعة بشرية لتؤوله وفق مصلحتها وأفقها المعرفي. ولا مفاضلة بين التأويلات إلا بتلك الاعتبارات. و عوض حدود التأويل يمكن الحديث عن ضوابط التأويل، أي الأدوات التي نتسلح بها من أجل التأويل، وبدل الاكتفاء بالخروج من منطوق النص إلى مقصده يجدر بنا الخروج من النص إلى الواقع. كما شكك في ثنائية المعقول والمنقول التي يراها ملتبسة، باعتبار أنه بمجرد أن نمارس عملية فهم النقل نفسه نخرج من المنقول إلى المعقول، لأن الذي يفهم النص فهما حرفيا هو أيضا يمارس معقولية من المعقوليات. أما فيما يتعلق بارتهان المعنى إلى السلطة مثلما أشارت إليه المحاضرة، فلاحظ أن الإشكال الذي أصبحنا نعاني منه اليوم ليس الارتهان إلى السلطة الدينية، بل نزع القداسة من التأويل الديني وإضفاؤه على تأويلات أخرى، وبالتالي لم نخرج من القداسة معتبرا أن العلمنة في نظره هي نزع القداسة عن المعرفة بإطلاق.
الأستاذ عادل الحاج سالم أعرب عن أسفه لكوننا ما زلنا نطرح في القرن الحادي والعشرين قضايا طرحت منذ القرن التاسع عشر مع رواد النهضة العربية وما زلنا نلف حولها، ولاحظ أن الدستور التونسي ينص في فصله الأول على أن تونس دولة دينها الإسلام وليست دولة إسلامية داعيا إلى تطوير الحياة الديمقراطية في تونس بإقرار فصل حقيقي بين الدولة و الدين مشيرا إلى ميزانية وزارة الشؤون الدينية التي تعادل ميزانيات وزارات عديدة ولاحظ أن المساجد اليوم أصبحت عبارة عن خلايا للحزب الحاكم، كما تساءل هل من جدوى اليوم في الرجوع إلى النص الديني أو محاولة توسيع تأويله حتى يطابق ما نريد وما حصل للإنسانية من تطور في التشريعات والقوانين و الرؤية للعالم والإنسان والحياة؟ وبين من خلال بعض الأمثلة الطريفة عن حد السرقة كيف أن تطبيق "التشريع الإسلامي " في بعض البلدان أصبح الآن مثيرا للضحك ومليئا بالمفارقات، مؤكدا حاجتنا اليوم أن تسود علاقاتنا وتحكمها مراجع قانونية ثابتة واضحة نساهم كمواطنين في إرسائها بالاتفاق الحر والحقيقي والمباشر، أما الدين فيبقى قضية شخصية في علاقة الإنسان بخالقه وعلاقته بمدونة يرجع إليها أخلاقيا ليتعامل مع البشر محترما من لا يعتنق دينه.
الدكتور جمال أحمد جرناز (ديبلوماسي ليبي) تحدث بصفته الشخصية منوها بأعمال الأستاذة ألفة يوسف وما تطرحه من قضايا مهمة ، ليس فقط في كتابها الأخير " حيرة مسلمة" وإنما أيضا في كتب أخرى لا تقل عمقا جدليا وفلسفيا تجاوز صداها الحدود التونسية، معتبرا أنها مفكرة جديرة بأن نفتخر بها كمغاربة داعيا إلى عدم التركيز على النقائص وتضخيمها في مسائل دقيقة ليست في متناول الجميع ولا ينبغي الخوض فيها إلا لأهل الاختصاص.
السيد عدنان الحسناوي اعتبر أن الحديث في هذه المواضيع يمكن أن يكون في الجامعة أو في إطار البحث العلمي وليس في فضاء حزب سياسي من المفروض أنه يهدف إلى صناعة المستقبل، بينما كان من الأجدى والأجدر الاهتمام بقضايا أخرى حقيقية تمس الشباب التونسي اليوم مثل الشغل والصحة والتعليم وصناديق الاقتراع، وليست القضايا الدينية التي ستعيدنا إلى أجواء عشناها في عقود سابقة ("عهد مزالي") وأطروحات ومزايدات حول الهوية والعروبة والدفاع عن الإسلام لنجد أنفسنا بعد ذلك أمام جيل جديد نواجهه باسم مكافحة الإرهاب.
الأستاذ بلقاسم حسن ذكر بالاستناد إلى بعض الأمثلة مما عرفه التاريخ العربي الإسلامي من اختلاف الأئمة والفقهاء وأصحاب المذاهب بل وكبار الصحابة (مثل تأويل "الفئة الباغية" بين أنصار علي وأنصار معاوية) أن المسألة المطروحة ليست قضية جديدة، وأشار إلى كتاب للدكتور محمد شحرور حول القرآن فيه فصل كبير عن التأويل تضمن مثلا مسألة الحدود في النص الديني باعتبارها حدودا قصوى أو عليا وهنا يتدخل السياسي لتحديد الشكل القانوني الذي يطبق، كما استشهد بقول للشيخ الطاهر بن عاشور إنه لو جاء يوم ورأينا أن العلم يخالف شيئا مما فهمنا في القرآن فعلينا إعادة قراءتنا للقرآن. و اعتبر أن التأويل هو صنو الاجتهاد وقرينه، فلما أغلق باب الاجتهاد في التاريخ الإسلامي أصبح النص الفقهي بديلا عن القرآن و السنة. وتطرق إلى استخدام بعض الأحاديث النبوية أو اختلاقها وتوظيفها سياسيا حتى من قبل الدولة التونسية الحديثة (مثل التنظيم العائلي أوالرفع من شأن مدينة معينة).
ملاحظة : ننشر في العدد القادم من جريدة "الوحدة" ملخصا لمداخلات السادة زياد كريشان والحبيب الجنحاني وأمين التليلي ومحمد الجابلي والحبيب قيزة وصالح الزغيدي وشاكر الشرفي وسليم الزواوي، مع تعقيب الدكتورة ألفة يوسف.

عادل القادري ـ جريدة الوحدة

vendredi 12 décembre 2008

البحث والدراسة قبل الإذاعة والإعلام

البحث والدراسة قبل الإذاعة والإعلام


جاء في مقال للسيد رضوان عبيد بعنوان" هل تكفي الزيتونة " ( الصباح 6-7-2008) ما يلي:

" ماإنفكّ عدد الفضائيات العربية يتضاعف في السنوات الأخيرة حتى وصل الآن إلى أكثر من 500 قناة من بينها عشرات القنوات الدينية التي تعمل على نشر الفكر المتطرف ودفع المجتمعات العربية إلى الإرتداد عن الحداثة. هذه الفضائيات تخاطب الملايين والملايين,بمن فيهم الأمّيُّون الذين يتجاوز تعدادهم في العالم العربي المائة مليون. وأخصُّ بالذكر هنا قناة الجزيرة التي وصفها جورج طرابيشي» بأنّها أوسع القنوات العربية نفوذا وتأثيرا باعتمادها إستراتيجية ذكية تقوم على إحتضان التعددية السياسية, التي يفتقدها أشد الإفتقاد العالم العربي, لتمرير واحدية دينية نكوصية. و الحاضنة المادية لهذه الفضائيات هي الدولارات النفطية التي وُظّفت بمليارات ومليارات في خدمة إستراتيجية الإنتقاض على عصر النهضة وموروثه الثقافي، وتحويل قيادة الفكر العربي المعاصر من الأفغاني والكواكبي وقاسم أمين والطّاهر الحدّاد وفرح أنطون وطه حسين وسائر النّهضويين إلى إبن تيميّة وتلامذته من النيو-وهابيين وإلى سائر مجددي السلفية المتزمتة في القرن العشرين بدءا بسيّد قطب وإنتهاء بيوسف القرضاوي« . فماذا فعلنا نحن في تونس لمواجهة هذه الهجمة الشرسة الآتية من السّماء؟ هل تكفي إذاعة الزيتونة لدحض هذا الكم الهائل من الفكر المتشدد والمنهمر علينا طوال الليل والنهار؟ هل تكفي إذاعة مسموعة وحيدة لخلق أيّ توازن أمام عشرات القنوات المرئيّة؟"
هكذا يتساءل كاتب المقال إن كانت إذاعة الزيتونة تكفي لدحض الكم الهائل من الفكر المتشدد والمنهمر علينا طوال الليل والنهار..
يذكرني القول بأن الزيتونة وبناتها ستدحض الكم الهائل من الفكر المتشدد بمقولات سحب البساط من تحت أقدام الأصوليين التي ظهرت في تسعينات القرن الماضي. هل سُُحب البساط حقا أم مدت البُسُط بإقفال المقاهي والمطاعم في شهر رمضان وإرسال الآذان بواسطة مضخمات الصوت وإضافة عبارات "الصلاة خير من النوم" في آذان الصلاة الأولى وتحمل الدولة المهمة العظيمة والتاريخية المتمثلة في الدعاء لكي يحقق الله ما وعد به رسوله من المنزلة الرفيعة والمقام المحمود إلخ...Ị؟
هل ستعلي إذاعة الزيتونة من مرتبة العقل والحكمة فوق مرتبة الفقه واللاهوت الديني أم هي تعمل العكس؟
هل سترفع تلك الإذاعة من شأن رجال الحكمة وفلسفة العقل والأنوار والحرية ورجال العلم والمعارف العلمية الحديثة أم هي بالعكس ترفع من شأن فقهاء اللاهوت الديني وتسلطهم على ضمائرنا وحياتنا؟
لا بد من تقويم جاد لما تنشره هاته الإذاعة قبل طلب المزيد من الإذاعات المماثلة.
إنك حين تركب سيارة الأجرة أو التاكسي لا بد أن تسمع برامج هاته الإذاعة لأن سائق التاكسي أو سيارة الأجرة، رغم أنه ليس من أتباع بن لادن أو الزرقاوي بالضرورة، كثيرا ما يعتقد أن ترتيل آيات قرآنية سيََقيه من كل الحوادث في الطريق ويوفر له ما اشتهى من الحرفاء.. ستسمع من صحفيي الزيتونة مثلا كيف أن التقوى تكون بالمواظبة على صلاة الجماعة في المسجد ولا يهم إن تجانب في الصلاة ومناجاة الرب الصادقۥ والسفيهۥ أو المجتهدۥ والسارق.. كل ما تريده الإذاعة هو أن تكتظّ المساجد بالمصلين.. هكذا يتأكد الأصوليون من أن الدولة التونسية لا تسعى لتجفيف منابع التدين .. إذاعة الزيتونة ليس لها، حسب المنطق الخاص بمجتمعاتنا العربية الإسلامية، أن تعتبر بقول المسيح بأن الصلاة في البيت خير منها في مجامع الخطابة والتظاهر بالتقوى بل عليها الالتزام بالرضا على من يؤدي الطقوس "وإن زنى وإن سرق"...
حينََ، في سيارة الأجرة في القرن الواحد والعشرين، تسمع أحد صحافيي إذاعة الزيتونة يتحدث عن الزكاة في شهر رمضان فيقول بأن الزكاة واجبة، خارج الأداء للدولة العصرية، مالا أو شعيرا بنفس المقدار على العبد وسيده، ستنتابك الدهشة ويأخذك السؤال حول ما تقوم به إذاعة الزيتونة وما تنشره من فكر وسلوك: هل تعتبر إذاعة الزيتونة أنه من واجبنا إعادة النظام العبودي أو السماح به أم هي تخلط بين نظام العبودية والواقع الحالي لعلاقات العمل؟..
هل ستذهب إذاعة الزيتونة إلى أبعد من وزارة التعليم العالي فتدين الأستاذة المحجَّبة التي طردت طالبة من قاعة الامتحان بسبب انكشاف ذراعيها..؟
هل ستذهب إذاعة الزيتونة إلى أبعد من وزارة الشؤون الدينية فتحاجج السيد المفتي وتقنعه بأن الدين ينبغي أن يكون رحمة للناس ولا يجوز أن يوظف لإلغاء زواج وتشتيت عائلة .. وبأنه لا يجوز الاعتماد على المذهب المالكي حين يوصل إلى الطلاق بل يجوز اللجوء إلى المذهب الحنفي لمصلحة الزوجين ، وبأنه ينبغي الاحتكام إلى قوانين العصر ما دامت هي التي تحفظ حرية الزوجين في الاختيار بين الطلاق أو الإبقاء على العلاقة الزوجية..
ما عسى الإعلام الديني، ومن ضمنه إذاعة الزيتونة، أن يحققه في غياب الإصلاح الديني؟
إن الإصلاح الديني لن يحصل بدوره إلا بعد فتح كل ملفات الفكر الديني بواسطة الإنسان الحر وحكمته وبعد بسط كل مسلمات الخطاب الديني على طاولة البحث والدراسة بواسطة قيم العصر وعلومه الحديثة..
ما يلزمنا ليس أرقاما جديدة لأبواق الإعلام المذهبي الديني بل مراكز للبحث والدراسة في إطار الحرية المطلقة للعقل والإيمان الكامل بمقدرة الإنسان على تطوير معتقداته نحو الأحسن والأجمل والأحق...


زهير الشرفي
تونس 7--7-2008-

mercredi 3 décembre 2008

يستضيف منتدى التقدم الدكتورة ألفة يوسف



يستضيف منتدى التقدم الدكتورة ألفة يوسف في لقاء فكري حول " حدود تأويل النص الديني "وذلك يوم الجمعة 12 ديسمبر 2008 على الساعة الرابعة بعد الظهر بمقر جريدة الوحدة ـ 7 نهج النمسا ـ تونس




lundi 1 décembre 2008

فيلج المسلم بذلك مجال الإيمان بالله

تعدّ أحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم المصدر التّشريعيّ الثاني بعد القرآن. فمنها أقوال الرّسول وأفعاله ومنها الأحاديث القدسيّة.
ويروي أحد الأحاديث القدسيّة حكاية رجلين متواخيين، كان أحدهما يذنب،والآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذّنب فيقول له:أقصر،فقال:خلّني وربّي،أبُعثت عليّ رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الجنّة فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند ربّ العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت عالما بي أو كنت على ما في يدي قادرا؟ وقال للمذنب:اذهب إلى الجنّة برحمتي،وقال للآخر:اذهبوا به إلى النّار" .
إنّ هذا الحديث محيّر يحفز على التّفكير.
وهو لا يفيد البتّة استهانة بأداء الواجبات الدّينيّة ولا استخفافا بالاجتهاد في العبادة
ولكنّه في رأينا يضمر دلالتين رمزيّتين أساسيّتين:
+ منطلق الأولى تساؤل بديهيّ: لماذا قرّر الله تعالى أنّ المجتهد في العبادة يدخل النّار؟ لا شكّ أنّ المجتهد لم يعاقب لاجتهاده في العبادة. والحديث نفسه يصرّح بذنب هذا المجتهد.إنّ الله تعالى يؤاخذ المجتهد بحكمه على الآخر حكما لا يمكن أن يكون إلاّ من قبل الله وحده ولا يجوز للإنسان إثباته في الحياة الدّنيا.
أن تحكم على الآخر
أن تقرّر أنّه كافر
أو أنّ مآله النّار
أو أنّ الله لن يغفر له
يفيد أنّ الإنسان يتكلّم باسم الله تعالى
وأنّه ينتصب في موضع الله العليم ليثبت حقيقة.
فإذا علمنا أنّ الله وحده يمتلك الحقيقة بدا لنا واضحا أنّ الحكم على الآخر وجه من وجوه عبادة الذّات أي وجه من وجوه الشّرك.
لذلك ليس من الغريب أن نجد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقرّ أنّ "من رمى مؤمنا بكفر فكأنّه قتله"، فالعلاقة بين الشّرك والقتل وطيدة إذ كلاهما من الكبائر الجوهريّة الّتي لا يختلف فيها المفسّرون ولا الفقهاء.

إنّ من يتكلّم باسم الله تعالى يتكلّم من موضع المعرفة المطلقة الّتي لا يملكها إلاّ الله،
والإنسان بذلك ينفي حدوده
وينكر نسبيّته البشريّة
ويدّعي قدرة لا يمتلكها هي قدرة الحكم المطلق على الذّات أو على الآخر.

إنّ القرآن يؤكّد أنّ اختلاف النّاس في الدّنيا أمر جوهريّ وأنّ الله عزّ وجلّ هو الّذي يكشف لهم الحقيقة في الآخرة: يقول الله تعالى: " ... فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون" (سورة المائدة، الآية 48).

استنادا إلى ما سبق تبدو الدّلالة الرّمزيّة لهذا الحديث القدسيّ واضحة: إنّه ينذر كل من تسوّل له نفسه أن يسند آراءه البشريّة النّسبيّة إلى الله عزّ وجلّ.

إنّ بعض المسلمين في محاولتهم تجاوز حدود الإدراك البشريّ والكلام على لسان الله تعالى إنّما يعبدون ذواتهم متوهّمين أنّهم يعبدون الله.

ولكن لنعد إلى الحديث.
فقد قرّر الله تعالى أنّ المذنب يدخل الجنّة.
قال الله تعالى: "اذهبوا به برحمتي إلى الجنّة"

إنّ مفهوم الرّحمة يمكّننا من أن نتناول مسألتي العقاب والثّواب من منظور مختلف.

يعتقد كثير من المسلمين واهمين
أنّ إنجاز بعض الأفعال
والقيام ببعض الأعمال
والسّلوك بطريقة معيّنة
هي وحدها ضمانات كافية للدّخول إلى الجنّة.

يرى هؤلاء المسلمون
أنّ الالتزام بأحكام الشّريعة الإسلاميّة هو ضامن للثّواب
بل يعتقد البعض أنّ الالتزام بالأحكام هو طريق الخلاص الوحيدة.

وعندئذ تأخذ الأحكام رمزيّا موضع الإله

ذلك أن الإنسان يتصوّر أنّه بفضل تضحياته المتواصلة والتزامه المطلق بالأحكام قد استطاع بمقدرته البشريّة أن يحقّق السّلوك القويم المنشود.
ويتصوّر الإنسان أنّه هو الفاعل والمقرّر.

في حين أنّ هذا التّصوّر موهوم
إذ ينسى الإنسان أنّ الشّريعة أو القانون الإلهي ليست هدفا وغاية في حدّ ذاتها وأنّ تطبيقها ليس ضامنا للفضيلة.
كما ينسى أنّ رفض الذّنب لا يُدخل في الإيمان بل إنّه كثيرا ما يعمّق الغرور"
وينسى خصوصا أنّ الخلاص ليس في تطبيق القانون أو تأليهه ولكنّه في رحمة الله.
والرّسول يؤكّد هذا الموقف إذ يقول:"لن يُدخل أحدا عمله الجنّةَ،قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال لا ولا أنا إلاّ أن يتغمّدني الله بفضل ورحمة" .

إنّ موقف الرّسول هذا يعسر فهمه ممّن يربطون ربطا آليّا بين تطبيق الأحكام والدّخول إلى الجنّة.
إنّ موقف الرّسول يذكّر بأنّ رضا الله عنّا ليس حقّا نكتسبه بتطبيق القانون ولكنّه شأن الحياة هبة يمنّ بها الله على من يشاء من عباده.
إنّ كلّ واحد منّا يمكن أن يجد المغفرة عبر رحمة الله الّتي تسع كلّ شيء.


إنّ امتناع الإنسان من الحكم على الآخر واعتقاده أن مصيره خاضع لرحمة الله تعالى يؤكّدان شعور الإنسان بالتّواضع الجوهريّ وبحدوده البشريّة فيلج المسلم بذلك مجال الإيمان بالله والثّقة فيه والاستسلام لمشيئته




Dr Olfa Youssef