فهرس حيرة مسلمة
دار سحر 2008.
الفصل الأوّل: حيرة في الميراث
حيرة 1: الميراث بين الاختيار البشريّ والجبر الإلهي
حيرة 2: من هم الوارثون؟
حيرة 3: للذّكر حظّ الأنثيين؟
حيرة 4: هل يرث الأحفاد والجدود؟
حيرة 5: التّعصيب
حيرة 6: الحجب
حيرة 7:الكلالة
الفصل الثّاني: حيرة في الزّواج
حيرة 1:هل المهر ضرورة في الزّواج؟
حيرة 2: هل المهر عوض عن فرج المرأة؟
حيرة 3: طاعة الزّوج في الفراش
حيرة 4: زواج المتعة
حيرة 5 : النّكاح في الدّبر
حيرة 6: الزّواج بصغيرات السّنّ
حيرة 7: تعدّد الأزواج؟ تعدّد الزّوجات؟
حيرة 8: العدّة
حيرة 9: نكاح اليد
الفصل الثّالث: حيرة في الجنسيّة المثليّة
حيرة 1: الازدواج الجنسيّ في القرآن؟
حيرة 2: السّحاق خبرا في القرآن أو لماذا سكت القرآن عن السّحاق؟
حيرة 3: السّحاق حكما في القرآن
حيرة 4: اللواط خبرا في القرآن
حيرة 5: اللواط حكما في القرآن
حيرة 6: لماذا عوقبت امرأة لوط؟
حيرة7: السّحاق واللواط حدّا
حيرة8: غلمان الجنّة للخدمة الجنسيّة؟
تقديم
هذا الكتاب لا يعدو أن يكون قراءة متسائلة لآيات قرآنيّة يعتبرها جلّ المسلمين محكمة واضحة لا تطرح أيّ إشكال ولاتستدعي أيّ تفكير. فمن لا يعرف أنّ للذّكر حظّ الأنثيين من الميراث؟ ومن يشكّ في أنّ كلّ المواريث فرائض محدّدةبصريح النّصّ القرآنيّ؟ ومن ينكر أنّ اللواط هو المثليّة الجنسيّة وأنّه محرّم بنصّ القرآن؟ ومن لا يقرّ بإباحة تعدّدالزّوجات وإن وفق شروط معيّنة؟ ومن يناقش مفهوم طاعة الزّوجة زوجها في الفراش؟إنّنا نصرّح منذ البدء بأنّ هذه "الحقائق" ليست من الحقيقة في شيء، ونتمسّك بأنّ القرآن وإن يكن كلاما إلهيّا فإنّهقول لغويّ وهو شأن أيّ قول لغويّ قابل لتفاسير شتّى ونؤكّد أنّ كلّ من يدّعي امتلاك المعنى الواحد الحقيقيّ للقرآن
إنّما هو إذ يتكلّم باسم الله تعالى، ينتصب في موضع العليم ذي المعرفة المطلقة، فيوهم النّاس أنّه يمتلك الحقيقة الّتي لايمتلكها إلاّ الله عزّ وجلّ، ويعبد في حقيقة الأمر ذاته وفكره منكرا حدوده البشريّة ونسبيّته الجوهريّة.
إنّنا واعون بركوبنا مركب الخطر في مساءلة المستقرّ وتحريك الرّاكد وتهديد إجماع الأمّة، يحفزنا على ذلك إيمانعميق بأنّنا إذ نسائل الكلام الإلهيّ لا نقرّ حقيقة نهائيّة ولا نثبت تأويلا قاطعا. وأنّى لنا أن نثبت حقيقة ونحن مؤمنونبأنّنا ما أوتينا من العلم إلاّ قليلا ومعتقدون أنّ تأويل القرآن لا يعلمه إلاّ الله ومسلّمون بأنّه عزّ وجلّ ينبّئنا يوم القيامة
بما كنّا فيه نختلف؟
إنّنا لا نجد أيّ حرج في مساءلة آيات استقرّ تفسيرها في السنّة الفكريّة الإسلاميّة لأنّنا نشعر بمدى تأثير التّفاسير المستقرّة النّهائيّة للقرآن في تشريعات البلاد الإسلاميّة وفي مخيال المسلمين تأثيرا ولّد موقفين هما إلى ردود الأفعال أقرب منهما إلى النّظر العلميّ المنهجيّ. الموقف الأوّل يدعو إلى أن نضرب صفحا عن دين لا يقرّ بالمساواة بين الجنسين ويحكم برجم اللوطيّ ويجبر المرأة على أن لا تمتنع عن زوجها ولو كانت على ظهر قتب. على أنّ أصحاب
هذا الموقف ينسون أو يتناسون أنّ أساس المكوّنات الثّقافيّة لاواع وأنّهم مهما ينهلوا من ثقافات وحضارات وعلوم أخرى قد نشؤوا في مجتمعات مسلمة بالمعنى الثّقافيّ على الأقلّ ، فلا يمكنهم بجرّة قلم أو بقرار عقليّ واع أن يمحوا
بصمة اللاوعي الجمعيّ.
أمّا الموقف الثّاني فإنّه يدعو إلى أن نقبل تأويلات الفقهاء قبولا حرفيّا، محوّلا إيّاهم إلى ناطقين رسميّين باسم الله عزّ وجلّ. وينسى أصحاب هذا الموقف أنّهم باعتماد هذا التّصوّر إنّما يعبدون الفقيه في أشكاله المختلفة وتجلّياته المتعدّدة
متوهّمين أنّهم يعبدون الله.
لسنا دعاة إلى التّوفيق ولسنا دعاة إلى التّلفيق كما قد يقول البعض. إنّنا ندعو إلى إعمال الفكر والتّساؤل شوقا إلى الحقيقة لا نزعم مثل سوانا امتلاكها. وإنّنا وإن انتقدنا بشدّة موقف الأصوليّ يقسّم الأفعال البشريّة إلى حرام بيّن وحلال بيّن، ويؤكّد أنّ معاني القرآن واحدة لا تتعدّد درءا للفرقة والاختلاف فإنّنا نرى أنّ هذا الموقف متلائم على خطله وخطورته مع المنظومة الأصوليّة المنغلقة الّتي تقرّ بأحديّة الحقيقة وتعتقد امتلاكها. أمّا موقف المعادي للدّين فهو
مثير للاستغراب إذ أنّ كلامه المتهجّم على الدّين يضمر خلطا واضحا بين معنى القرآن الأصليّ الّذي لا يعرفه أحد من جهة وتأويلات الفقهاء والمفسّرين من جهة ثانية. وبذلك لا يعدو موقف من يعادي الدّين مطلقا أن يكون معبّرا عن أصوليّة أخرى وانغلاق أشدّ.
إنّنا في هذا الكتاب أبعد ما يكون عن الأصوليّة في وجهيها الدّينيّ والحداثيّ، ذلك أنّنا لا نريد تقديم أجوبة جاهزة نهائيّة وننتمي إلى السّؤال قبل الجواب والحيرة قبل الاطمئنان. إنّنا نودّ أن نرمي حجرا فكريّا فيما ركد واستقرّ من قراءات بشريّة غدت بفعل الزّمان مسلّمات مقدّسة لا تقبل النّقاش ولا تستدعي التّحقيق، ولا شكّ أنّ الفكر الرّاكد في حاجة إلى من يحاوره ويحرّكه ويناقشه حتّى لا يتحوّل إلى آسن عفن يهدّد الفكر الحرّ الحديث ومكتسبات حقوق الإنسان.
نكاح اليد
من المشروع التّّساؤل عن سبب إدراج الاستمناء أو نكاح اليد ضمن فصل خاص بالزّواج. ونجيب بأنّ الاستمناء من منظور بعض الفقهاء والمفسّرين ضرورة يُلتجأ إليها في حال غياب إمكان الزّواج أو التّسرّي. فنكاح اليد ضرب من الممارسة الجنسيّة طرح في علاقته بإمكان الزّواج وأثار موقفين نعرضهما ونناقشهما مبيّنين ما يثيرانه من حيرة ونقاط ستفهام.
الموقف الأوّل رافض للاستمناء يعتبره محرّما. ويستدلّ أصحاب هذا الموقف ومنهم "الإمام الشافعي، رحمه الله،ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ..." قال: فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين، وقد قال: " فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ" ". وعلى هذا الأساس يحرّم هؤلاء أيّ علاقة جنسيّة باستثناء العلاقة مع الأزواج أو مع ملك اليمين. ويبدو أنّ حفظ الفرج المطروح يتّصل بحفظه على موضوع جنسيّ بشريّ ممكن فهل نكاح اليد أو اعتماد أيّ
"أداة أخرى" لاستجلاب المتعة الجنسيّة نظير للإنسان الموضوع الجنسيّ الشّائع؟ وبعبارة أخرى هل نتصوّر أن يُطلب من شخص حفظ فرجه على جميع النّساء باستثناء زوجاته وجواريه وأن يفيد هذا الطّلب دعوة له إلى حفظ فرجه على يده وعلى أيّ أداة قد تمتعه؟ إنّ كشك يستهزئ بهذا التّفسير ويذهب إلى القول: " إذا كان قد أبيح لنا نكاح ماملكت اليمين... لماذا لا ننكح اليمين ذاتها؟".
على أنّنا إذا تجاوزنا هذا الضّرب من المواقف المتسرّعة واعتبرنا أنّ حفظ الفرج يكون بالنّكاح والتّسرّي، وإذا اعتبرنا حينئذ أنّ الآية المذكورة تقرّ بأنّ المؤمن يجب ألاّ ينكح إلاّ الزّوج أو ملك اليمين فإنّها تغدو آية غير محرّمة للعلاقةالجنسيّة بين المثليّين باعتبار أنّ هؤلاء يمكن أن يكونوا أزواجا، كما يمكن أن يتسرّى الرّجل بجارية أو بغلام ممّا تحقّق في تاريخ المسلمين. فإن قيل إنّ الجنسيّة المثليّة محرّمة بآيات أخرى قلنا إنّ عبارة حفظ الفرج تثير مشكلا ثانيا لعمومها وذلك خلافا للفظ النّكاح. فالقول: لا تنكح إلاّ زوجاتك وإمائك واضح نسبيّا. أمّا القول: احفظ فرجك
على الجميع إلاّ عن زوجاتك وإمائك فإنّه يحيّر لتعدّد معاني الحفظ. هل يقتصر معنى حفظ الفرج على حفظه من إقامة علاقة جنسيّة شائعة أي من تلاقي فرجين أم يتجاوز ذلك إلى حفظه من اللمس بل حتّى من النّظر؟ وهذا المعنى
الثّاني الممكن يفيد أنّ الطّبيب لا يمكن أن ينظر إلى فرج مؤمن مريض ولا يمكن أن يلمسه رجلا كان أو امرأة ذلك أنّ هذا النّظر أو اللمس مخترق لقانون حفظ الفرج. ولا يَحُلّ الاستنادُ إلى الضّرورات الّتي تبيح المحظورات الإشكالَ إذ ختلف حدود الضّرورات من مفسّر إلى آخر. ويمكن أن يذهب البعض إلى أنّ الرّغبة الجنسيّة المكبوتة ضرورة قد
تبيح لصاحبها الاستمناء المحظور أي قد تدعوه إلى عدم حفظ فرجه عن يمينه، وهو ما ذهب إليه الفقهاء القائلون
بجواز نكاح اليد.
على أنّ المهمّ في هذا المستوى بيان أنّ الآية المذكورة لا تكفي دليلا على تحريم الاستمناء بل إنّ علماء القرآن أنفسهم
يعتبرون تحريم الاستمناء انطلاقا من هذه الآية استنباطا، وهذا شأن الزّركشي الّذي يشير إلى أنّ بعض أحكام القرآن
تؤخذ بطريق الاستنباط "كاستنباط الشّافعي تحريم الاستمناء باليد من قوله تعالى إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم
إلى قوله فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون". ويستند بعض محرّمي الاستمناء إلى السّنّة النّبويّة معتمدين
الاستنباط نفسه. فعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: : "يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج
فمن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء". وقد "استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه (الرسول)
أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحا لكان الإرشاد إليه أسهل ".
ونحن نرى أنّ الحديث المذكور ورد في مقام خاصّ يقدّم نصيحة عامّة إلى شباب المسلمين ولا نتصوّر أنّه يقدّم جميع
الحلول الممكنة لمن لم يستطع الزّواج بل لا نتصوّر الرّسول بحيائه يقدّم الاستمناء حلاّ وهو مسألة خصوصيّة لا شكّ أنّ
كلّ شابّ يعرفها وليس في حاجة إلى الرّسول ليذكّره بها. ثمّ إنّنا لو عددنا هذا الحديث تشريعا ملزما لوجب أن نعتبر
كلّ من وجد الباءة ولم يتزوّج مذنبا باعتباره مخالفا لأحد أوامر الرّسول التّشريعيّة. ويؤكّد موقفنا حديث ثان للرّسول
خاطبه فيه أبو هريرة قائلا: "قلت يا رسول الله إنّي رجل شابّ وأنا أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوّج به
النّساء فسكت عنّي ثمّ قلت مثل ذلك فسكت عنّي ثمّ قلت مثل ذلك فسكت عنّي ثمّ قلت مثل ذلك فقال النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم يا أبا هريرة جفّ القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر". هل نتصوّر أنّ هذا الحديث تشريع مطلق
وحينئذ يجب أن يترك كلّ شابّ لم يجد الباءة التّفكير في الجنس وإن لم يستطع فعليه أن يختصي. أو لم يأمر الرّسول
بذلك فكيف لا نطيعه؟ ثمّ كيف نوفّق بين هذا الحديث الصّحيح الّذي يأمر بالاختصاء وحديث صحيح آخر يقول فيه بعض
الصّحابة: "كنّا نغزو مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليس لنا نساء فقلنا يا رسول الله ألا نستخصي فنهانا عن
ذلك"؟ إنّ القراءة السّطحيّة الّتي تريد تحويل الأحداث اليوميّة والأخبار الفرديّة أسسا تشريعيّة خطرة إذ توقعنا في
مزالق التّناقضات والمفارقات والسّفسطة في حين أنّ النّظر في مقاصد الشّريعة الإسلاميّة وقيمها الكبرى حلّ لكثير من
المآزق الفقهيّة.
ومن أمثلة هذه المآزق سعي من حرّم الاستمناء إلى إيجاد حجج قطعيّة من النّصوص رغم أنّها غائبة فعلا. فتمحّلوا
أحاديث أقلّ ما يقال عنها إنّها غريبة شأن قول مسند إلى الرّسول: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا
يزكيهم، ولا يجمعهم مع العاملين، ويدخلهم النار أوّل الداخلين، إلا أن يتوبوا، فمن تاب تاب الله عليه: ناكح يده ،
والفاعل، والمفعول به، ومدمن الخمر، والضّارب والديه حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة
جاره". إنّ هذا الحديث لا يُقبل نقلا فهو "غريب، وإسناده فيه من لا يعرف؛ لجهالته" بشهادة ابن كثير ولكنّه
حديث لا يُقبل عقلا إذ كيف نتصوّر أنّ نكاح اليد على فرض تحريمه ذنب يماثل في شدّته وفي عقابه ذنب من يضرب
والديه حتّى يستغيثا والحال أنّ القرآن لا يشير إلى الاستمناء في حين أنّه يعجّ بالآيات الّتي تدعو إلى الإحسان إلى
الوالدين والرّفق بهما.
إنّ عددا من علماء السّلف قد أباح الاستمناء لسبب بسيط أوّل وهو غياب أيّ نصّ يحرّمه. وهذا موقف أهل الظّاهر
الّذين يستندون إلى أنّ الله تعالى قد فصّل على المسلمين ما حرّم عليهم :"...وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ
عَلَيْكُمْ..." (الأنعام6/119). ولم يعتمد من أباح الاستمناء على أيّ من أحاديث الرّسول الضّعيفة ممّا
يؤكّد ضعفها إذ لو كانت قاطعة فكيف يتغاضى عنها ابن حزم وابن حنبل مثلا، فأحمد بن حنبل على ورعه يجوّز
الاستمناء، ويحتجّ بأنه إخراج فضلة من البدن فجاز عند الحاجة، أصله الفصد والحجامة. وقد أباح بعض المفسّرين
الآخرين الاستمناء في حال الضّرورة خشية الوقوع في الزّنى فاعتبروا أنّ الاستمناء أخفّ الضّررين ولعلّه يدخل في
مقارنة ثلاثيّة أحيانا "فقد روي عن ابن عبّاس أنّ نكاح الإماء خير منه وهو خير من الزّنى".
ومثلما هو دأبنا في هذا الكتاب فإنّنا لا نودّ الإقرار النّهائيّ بتغليب رأي على رأي إلاّ أنّ ما يلفت انتباهنا هو نشدان عدد
كبير من المفسّرين تأويل القرآن والسّنّة تأويلا متشدّدا يضيّق أطر الجنسانيّة ويتحرّج منها بل لعلّ بعض "الفقهاء
المحدثين" يجد متعة ساديّة في المبالغة في تحريم الاستمناء محوّلا إيّاه ذنبا كبيرا، نافيا اللجوء إليه حتّى في حال
الضّرورة متناسيا أنّ أغلب شباب البلاد الإسلاميّة اليوم لا يتزوّج إلاّ في سنّ متأخّرة نسبيّا أي بعد تجسّم الشّهوة
الجنسيّة بعشر سنوات أو أكثر.
والأغرب أنّ جلّ "المشايخ" الّذين يحرّمون الاستمناء لا يشيرون إلى من أباحه من الفقهاء والمفسّرين بل لا
يذكرون رأي من اعتبره مباحا للضّرورة بالنّسبة إلى من كان يجوز لهم ملك اليمين وإلى من كان ممكنا عندهم الزّواج
المبكّر، فما بالك بشباب اليوم؟ أو لا يكون الاستمناء الّذي يمارسه عدد كبير من الشّباب المسلم ضرورة يفرضها بؤس
العلاقات الجنسيّة في مجتمعاتنا الإسلاميّة اليوم تصوّرا وممارسة؟
إنّ الفقهاء الجدد يستندون تارة إلى معلومات دينيّة مبتورة وطورا إلى معلومات "طبّيّة" مضحكة، ومن أمثلة ما
يذكره المشايخ اليوم على شبكة الأنترنت من معلومات طبّيّة خاطئة للشّباب ما يقوله عبد الله بن عبد العزيز الباز
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: "ثبت في علم الطب أن الاستمناء يورث عدة
أمراض : منها : أنه يضعف البصر, ويقلل من حدته المعتادة إلى حد بعيد، ومنها: أنه يضعف عضو
التناسل, ويحدث فيه ارتخاء جزئيا أو كليا, بحيث يصير فاعله أشبه بالمرأة لفقده أهم مميزات الرجولة التي فضّل
الله بها الرجل على المرأة, فهو لا يستطيع الزواج ,وإن فرض أنه تزوّج فلا يستطيع القيام بالوظيفة الزوجية على
الوجه المطلوب، فلا بد أن تتطلع امرأته إلى غيره لأنه لم يستطع إعفافها, وفي ذلك مفاسد لا تخفى. ومنها: أنّه
يورث ضعفا في الأعصاب عامّة نتيجة الإجهاد الذي يحصل من تلك العملية. ومنها: أنّه يورث اضطرابا في آلة
الهضم فيضعف عملها, ويختلّ نظامها. ومنها: أنّه يوقف نموّ الأعضاء خصوصا الإحليل والخصيتين, فلا
تصل إلى حد نموها الطبيعي. ومنها: أنّه يورث التهابا منويّا في الخصيتين فيصير صاحبه سريع الإنزال إلى حدّ
بعيد بحيث ينزل بمجرد احتكاك شيء بذكره أقلّ احتكاك. ومنها أنّه يورث ألما في فقار الظهر, وهو الصّلب الذي
يخرج منه المني, وينشأ عن هذا الألم تقويس في الظهر وانحناء. ومنها: أنّه يحلّ ماء فاعله فبعد أن يكون منيه
غليظا ثخينا كما هو المعتاد في مني الرجل يصير بهذه العملية رقيقا خاليا من الدودات المنوية, وربّما تبقى فيه
دويدات ضئيلة لا تقوى على التلقيح فيتكون منها جنين ضعيف، ولهذا نجد ولد المستمني- إن ولد له- ضعيفا بادي
الأمراض, ليس كغيره من الأولاد الّذين تولدوا من مني طبيعي.ومنها: أنّه يورث رعشة في بعض الأعضاء
كالرجلين. ومنها: أنّه يورث ضعفا في الغدد المخيّة فتضعف القوة المدركة, ويقلّ فهم فاعله بعد أن يكون
ذكيّا, وربما يبلغ ضعف الغدد المخية إلى حد يحصل معه خبل في العقل. وبذلك يتضح للسائل تحريم الاستمناء
بغير شك للأدلة والمضار التي سبق ذكرها- ويلحق بذلك استخراجه بما يصنع على هيئة الفرج من القطن ونحوه,
والله أعلم".
إنّ قارئ هذا الكلام إذ يقارنه بآراء ابن حنبل وابن حزم مثلا وإذ يعرضه على الواقع الجنسيّ للشّباب العربيّ لا يمكن
أن لا يتساءل: هل استناد الفقهاء إلى معلومات دينيّة مبتورة وإلى "نتائج" طبّيّة خاطئة وهل مبالغتهم في التّخويف
والتّهديد والزّجر والوعيد من جهة أخرى يحلاّّن مشكل تصريف الطّاقة الجنسيّة؟