dimanche 25 janvier 2009

أيها العقل.. من رآك؟..

ـــ عبد الله القصيمي


إن احتمالات ثورة المغامر ضد الحاكم الفاضل أقوى من احتمالات ثورته ضد الحاكم الشرير. إننا قد نجرؤ على اصطياد الحيوان الفاضل أكثر من جرأتنا على اصطياد الحيوان المفترس.

إذا كان الفساد لا يقتل فكيف يقتل النقد؟!

لو كان نبيٌّ مصابًا بالبَرَص، بُعِثَ إلى قوم من البُرْص، لكانت الإصابة بهذا الداء شرطًا من شروط الإيمان بالله!

إن المؤمنين بالله وبالأديان يصنعون ما قاله نهرو عن الهنود: "إنهم يعبدون البقر ولا يفعلون له ما يجب. ولو أنهم أعطوا البقر ما يريد ولم يعبدوها لكان احترامهم لها أفضل."

إنهم يتصورون الله قيصرًا أو زعيمًا ضالاً، ينشرح صدرُه للنفاق وقصائد الامتداح، ويفقد بذلك وقارَه.

إن الدعاء والصلاة لله اتهام له. إنك، إذا دعوت الله، فقد طلبت منه أن يكون أو لا يكون. إنك تطلب منه حينئذٍ أن يغيِّر سلوكه ومنطقه وانفعالاته. إنك، إذا صليت لله، فقد رشوتَه لتؤثر في أخلاقه ليفعل لك طبق هواك. فالمؤمنون العابدون قوم يريدون أن يؤثروا في ذات الله، أن يصوغوا سلوكه.

إن الذي لا يعلم بوجودي لا يُعَدُّ مسيئًا إليَّ. ولكن المسيء هو الذي يعلم بوجودي ويعلن اعترافه بي، ثم ينسب إليَّ الشرور والنقائص.

إن الشيخ الذي يملأ لسانه بالله وتسبيحاته، ويملأ تصوراته بالخوف منه ومن جحيمه، ثم يملأ أعضائه وشهواته بالكذب والخيانة والصغائر وعبادة الأقوياء، لهو أكفر من أيِّ زنديق في هذا العالم.

إن الإله، في كلِّ افتراضاته، هو سلوك، لا ذات فقط. فإذا لم يوجد سلوكُ إله فلن توجد ذات إله.

لقد وُجِدْنا، فأردنا وجودنا، ثم وضعنا له تفسيرًا عقليًّا وأدبيًّا.

إننا نحب حياتنا وأنفسنا بقدر ما نستطيع، لا بقدر ما نعرف. إننا لم نعرف شيئًا.

إنه لا يوجد منطق في أن نخلق المرض لكي نتعالج منه، أن نسقط في البئر لكي نناضل للخروج منها. وليست حياة الإنسان، في كلِّ أساليبها ومستوياتها، سوى سقوط في البئر ثم محاولة الخروج منها.

إن جميع ما يفعله البشر ليس إلا علاجًا لغلطة وجودهم.

إن الإنسان هو وحده الذي تحدث عن الآلهة ودعا إلى الإيمان بها.

لقد خلق الإلهُ الإنسانَ لكي يعبده ويطيعه. ولكنه كان يعلم قبل أن يفعل ذلك أنه لن يعبده ولن يطيعه. فهل كانت رغبته في عبادة الإنسان له غير ناضجة، أم كانت خطته لتحقيق رغبته غير كافية؟

إن من أسوأ ما في المتديِّنين أنهم يتسامحون مع الفاسدين ولا يتسامحون مع المفكرين.

إن المطلوب عند المتديِّنين هو المحافظة على رجعية التفكير، لا على نظافة السلوك.

إن افتراض أن العقائد القوية هي التي تصنع الأعمال الكبيرة غير صحيح. إن حوافز الإنسان، لا عقائده، هي التي تصوغ كلَّ نشاطاته.

الإنسان، قبل تديُّنه، وجد أن من الصعب عليه أن يكون ملتزمًا بضوابط الحياة المثلى، فتديَّن لأنه وجد أن من السهل أن يكون معتقِدًا.

أكثر الناس خروجًا على التعاليم هم أقوى مَن وضعوا التعاليم. إن أفسق الحكام والمعلِّمين هم أقوى الناس دعوةً إلى الأديان والأخلاق.

لو كانت الفكرة تعني التقيُّد بها لما ابتكر الناس الأديان والمواعظ والأخلاق المكتوبة.

لو كان الإيمان مُلزِمًا لكان مستحيلاً أن يوجد في التاريخ كلِّه مؤمنٌ واحد.

الناس، في كلِّ العصور، هتَّافون على مستوى واحد من الحماس. هتفوا لجميع الحكام والزعماء والعقائد والنظم المتناقضة: هتفوا للإيمان بالله والإيمان بالأمجاد، للمَلَكية والجمهورية، للديمقراطية والدكتاتورية، للرأسمالية والشيوعية؛ هتفوا للعدل والظلم، للقاتل والمقتول.

إن الناس لا يؤمنون بالأفضل والأخلاق، بل بالأكثر صخبًا وتجاوبًا مع الأعصاب المتعبة.

أنت تتكلم، إذن أنت تحاول أن تقول غير ما تقول، أن تقول غير نفسك، غير الأشياء التي تتحدث عنها.

الناس لا يتحدثون عن الأشياء كما هي، بل كما يريدونها.

إنك حينما تَصْدُق أحيانًا إنما تريد أن تهرب من الصدق.

إن اللغة تعني دائمًا الفرار من معنى اللغة.

الناس لا يرحِّبون بالداعية ويتبعونه، ولا يؤمنون بالنبي ويرون معجزاته، احترامًا أو اقتناعًا أو رحمة، بل احتجاجًا وبحثًا عن صارخ متألِّم ليصرخوا وراءه، ليصرخ لهم وعنهم، ليصرخوا به.

إن آلهة الإنسان وعقائده ومُثُله وأخلاقه هي مجموعة أخطائه اللغوية.

إن الفرق بين الشيء ونقيضه يساوي الفرق بين رغبتنا فيه ورغبتنا عنه.

قتلي لعدوِّي عدل، وقتلُ عدوِّي لي ظلم. رأيي وديني صواب، ورأيُ المخالفين ودينُهم خطأ. هذا منطق كلِّ الأذكياء – وكلِّ الأغبياء.

إننا لا نعادي المخالفين لنا لأنهم ضد الفضيلة أو ضد الإيمان والحق، ولكن لأنهم ضدنا. إنهم مخطئون لأن إرادتهم ومصالحهم تُناقِض مصالحنا وإرادتنا.

إننا دائمًا نحن الوحدة القياسية للآلهة والمذاهب والناس وكلِّ الأشياء. إن كلَّ شيء يجب أن يُفسَّر بنا. حتى الآخرون الذين هم مثلنا، يجب أن يُفسَّروا بنا – وإلا فهم خونة ضالون.

إن الخلاف بين الشعوب والأفراد ليس على المذهب والتفكير، ولكن على الكينونة والإرادة.

إن ما يصنعه الإنسان هو أعظم من الإنسان. إن أفكاره ومُثُله وعقائده هي دائمًا، وفي التاريخ كلِّه، أطيب وأنظف وأذكى منه – مع أنه خالقها.

كم هو غير منطقي أن يكون المخلوق أعظم من الخالق، ثم لا يستطيع هذا المخلوق الكبير أن يغيِّر خالقه الصغير!
ما أعظم أن يصنع الإنسان نفسَه بالأسلوب الذي يصنع به حضارتَه وأدواتِها!

لقد كانت عبقرية الإنسان أن يخلق الأشياء على نموذج نقائصه، لا أن يخلق نفسه على نموذج نظرية مثالية ليصبح بلا نقائص، ليصبح شيئًا فوق نفسه.

ما أعظم الفرق وما أطول المسافة بين أخلاق البشر النظرية وأخلاقهم السلوكية والنفسية!

إن أشد الناس إيمانًا بالنظريات يتعايشون ويتلاءمون مع النظم المخالفة لنظرياتهم.

إن النظرية هي تحويل الواقع إلى صورة فكرية. ولا يمكن تحويل النظرية إلى صورة مادية.

إن البشر لا يصنعون انفعالاتهم؛ إذن هم لا يصنعون أخلاقهم، لأن الأخلاق ليست سوى انفعالات قد حوَّلناها إلى تعبيرات أخلاقية.

إن كلَّ تربية البشر الأخلاقية والاجتماعية الصالحة تعني تعليمهم نوعًا من السلوك، لا نوعًا من الشعور و الحب، لأن الشعور والحب لا يُعلَّمان.

إن الأخلاق، في كلِّ العصور، هي إتقان فنِّ التكلف والكذب والتزوير. حتى الإحسان للآخرين والإشفاق عليهم هو عطف على الذات، لا عليهم.

إن من أعطاك فرصة أن تعرض إشفاقك عليه هو من أحسن إليك.

إن الفرق بين الفاضل والرديء هو اختلافهما في تلاؤمهما مع الأشياء لاختلاف المستويات والظروف التي تواجههما والتي يعيشان فيها.

إن الفضيلة هي أن يتوافق الإنسان مع الطبيعة – لا أن يتجنبها أو يخافها أو يعجز عنها أو يحرِّمها أو يعبدها.

الرذيلة، في جميع أساليبها، هي أن يصطدم الإنسان بالطبيعة.

إن الحياة حركة، لا تشريع. إنها لا تُتَعلَّم، بل تخرق التعاليم. أما الإنسان فهو آلة وحافز.

dimanche 18 janvier 2009

حوار مع هشام جعيط : تداعيات الواقع العربي

محمد كريشان: دكتور هشام جعيط، أهلاً وسهلاً، دكتور اهتماماتكم -كمؤرخ- بالتاريخ العربي الإسلامي اهتمام معروف وشهير على الساحة العربية، ولكن إذا أردنا أن نطلب من مؤرخ أن يلقي بنظرة نقدية فاحصة للواقع العربي اليوم، إذا أردنا أن ننطلق من هذه المسألة، ما الذي يمكن يقول مؤرخ في واقعنا اليوم؟

د. هشام جعيط: في اعتقادي أنا المؤرخ لا يمكن له أن يقول أي شيء، إذا كان فعلاً مؤرخاً مهنياً اهتم طول حياته بواقع ماض ليس له ما يذكر، ولذا أنا سأكلمك من موقع ليس المؤرخ، لكن الرجل الذي كتب عن الوضع العربي المعاصر من وجهات متعددة، ولم يقف فقط عند الإنتاج التاريخي العلمي.

محمد كريشان: نعم، ولكن الخلفية التاريخية المتخصصة هل تجعلكم تنظرون إلى الواقع نظرة تختلف عن نظرة أي مراقب عادي؟

د. هشام جعيط: صحيح –فيما يخصني- تجعلني أنظر إلى الواقع بمنظور آخر فيه ما يسمى "بالعمق التاريخي".

محمد كريشان: يعني مثلاً إذا تابعتم حدثاً معيناً، هل تكتفون كأي معلق سياسي، أو متابع، أو مراقب -كما يسمى- بظواهر الأشياء أم هذا العمق الأكاديمي لديكم يجعلكم دائماً تعودون إلى جذور كل قضية، وإلى خلفياتها السياسية والتاريخية، وال..

د. هشام جعيط: طبعاً، طبعاً واضح، هذا ضروري.


محمد كريشان: يعني رأيكم في الواقع العربي اليوم؟

د. هشام جعيط: هو وضع عادي ليس بالجيد، وليس بالسيئ جداً يعني.

محمد كريشان: كيف؟

د. هشام جعيط: العالم العربي عرف تحولاً كبيراً اعتماداً على الهزة التي اهتز بها في حرب الخليج منذ تقريباً عشر سنوات أو أقل، عرف انحساراً كبيراً في وجوده السياسي والدبلوماسي وحتى الاقتصادي، ونوعاً من الاستقرار أيضاً، لكنه اعتبر أن هذا الاستقرار هو استقرار جامد، أي استقرار دون حياة حقيقية، ودون حيوية، ودون ثقافة، ودون تأكيد وجود من أي وجه في العالم.

محمد كريشان: ولكن هذا الاستقرار الجامد -دكتور- يعني هل تقصد هنا استقرار الأنظمة، استقرار الوضع الاجتماعي؟ وهل يعود هذا الاستقرار إلى نوع من الإحباط إذا أردنا أن نصف الوضع العربي منذ حرب الخليج كما أشرت؟

د. هشام جعيط: لا طبعاً، هو استقرار هذه الأنظمة دون تغير.. جمودها، والمجتمعات تتغير أكثر من الأنظمة، فثمة دائماً تغيير لا نحس به من أول وهلة، ولكن نحس به عندما نقارن ما كان الأمر عليه منذ عشرين سنة وما صار إليه الأمر الآن، ثمة دائماً تغيير، التاريخي الإنساني هو تغير، بالخصوص في المجتمعات، إنما لأن الأجيال تتغير، لا.. إنما أقصد بالوضع الجامد هو أعمق، في أخر المطاف أعتقد أن الذي يحصل في العالم اليوم، فيما يخص العلاقة الكبرى بين العالم الثالث مثلاً وبين الغرب هو أن العالم العربي –وحتى العالم الثالث- وجد –في آخر المطاف الآن- شخصيته ورجع بشخصيته إلى حقيقته، وحقيقته هي حقيقته، فيها الإيجابي، يوجد الهوية الشخصية والاكتفاء بالذات في عدة أمور، ومن جهة أخرى ثم أيضاً الحدود الكبيرة التي تجعله لا يشارك في ما هو –حقيقة- حديث، في العالم اليوم، هذا يخص العالم العربي، ولكن يخص أيضاً عدة.. أغلب العالم الإسلامي تقريباً، بخصوص العالم الغربي بعد ثلاثة عقود.. أقول من التعاون مع العالم الثالث في ذلك العالم العربي، أو حتى بعض الصراعات الخفيفة وأظهر فيها كل العالم الغربي نوع من المحاباة، وفتح الأفق التاريخي لهذا العالم الذي كان مستعمراً لمدة قرن وغير ذلك، أظهر الآن قوته، أراد أن يرجع لموازين القوى الحقيقية، وقد نسي هذه الموازين -مثلاً- القادة العرب.

محمد كريشان: لماذا تصفها بالموازين الحقيقية؟

د. هشام جعيط: الموازين الحقيقية لأن العالم العربي –من الوجهة الاقتصادية- لا يمتلك شيئاً، هو فضاء كبير جداً، فيه تقريباً 220 أو 250 مليون من السكان، لكن مدخول كل العالم العربي بما في ذلك البترول لا يساوي ثلث مدخول فرنسا الاقتصادي، ما يساويش.

محمد كريشان: إذاً لدينا نوع من التضخيم للذات دون وزن حقيقي على الساحة الدولية؟

د. هشام جعيط: وقع هذا التضخيم للذات في فترات معينة، نحن العرب وجاءتنا نشوة، النشوة هذه أراد العالم الغربي أن يوقفها، وفي بعض الأحيان بحق، لأن هذا عالم ماعندوش ثلث مدخول الخام فرنسا، ما عندوش ربع مدخول ألمانيا، كل من العراق إلى المغرب، ما عندوش، هذا الواقع، أرقام، من الوجهة الثانية، أغلبها صحاري وكذا، ما عندوش جيوش قادرة من الناحية العسكرية، ما عندوش أي مقدرة تقنية، ما عندوش، ما عندوش.. ما عندوش أي شيء.

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/037881EB-D652-44DF-BC95-25368BE23DEA.htm


samedi 10 janvier 2009

..

. عبد الله بن علي القصيمي

ولد عبد الله بن علي القصيمي' عام 1907 في خب الحلوة،في مدينة بريدة حاضرة منطقة القصيم وسط المملكة العربية السعودية،

[عدل] حياته العلمية و الفكرية

التحق بجامعة الأزهر في القاهرة عام 1927 ولكنه سرعان ما فصل منها بسبب تأليفه لكتاب "البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية" رداً على مقالة عالم الأزهر يوسف الدجوي "التوسل وجهالة الوهابيين" المنشورة في مجلة"نور الإسلام" عام 1931. بعدها قام عبدالله القصيمي بتأليف عدة كتب يهاجم فيها علماء الأزهر ويدافع عن السلفية مثل " شيوخ الأزهر والزيادة في الإسلام" و " الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم" و" الثورة الوهابية". بعد هذه المرحلة؛ تغير فكر القصيمي حتى وصل مرحلة وصفه فيها معارضوه بالملحد، ومن أهم الكتب التي ألفها بعد انقلابه على الفكر السلفي كتاب "هذه هي الأغلال" وكتاب "يكذبون كي يروا الله جميلا"، وكتابه الظاهرة "العرب ظاهرة صوتية". في هذه المرحلة، وكنتيجة لكتاباته تعرض القصيمي لمحاولتي اغتيال في مصر و لبنان. وسجن في مصر بضغط من الحكومة اليمنية بسبب تأثر طلاب البعثة اليمنية في مصر بفكر القصيمي لكثرة لقاءاته بهم.

قال في حقه فضيلة الاستاذ الشيخ حسن القاياني" مجلة المقتطف -العدد 10 فبراير 1947" :

(معسكر الاصلاح في الشرق، قلبه هو السيد القصيمي نزيل القاهرة اليوم، نجدي في جبته وقبائه ، وصمادته وعقاله ، إذا اكتحلت به عيناك لأول التماحته، قلت : زعيم من زعماء العشائر النجدية، تخلف عن عشيرته، لبعض طيته، حتى إذا جلست إليه فأصغيت إلى حديثه الطيب أصغيت إلى عالم بحر يفهق بعلم ديني واجتماعي، تعرفت إلى العلم النجدي القصيمي ، فجلست إليه مرة ومرة، ثم شاهدته كرة، فناهيك منه داعية إصلاح، أكثر ما يلهج به الشرق وأدواؤه وجهله ودواؤه، لم أقض العجب حين شهدت القصيمي من عربي في شمائله ، ملتف في شملته ، يروعك منه عالم في مدرسته، كاد يحيلني شرقياً بغيرته الشرقية ، وقد بنيت مصرياً،حيا الله السيد القصيمي، ما أصدق نظرته إلىالحياة وأبعد مرماه في الهداية ).

وقال أيضاً في مدح القصيمي الاستاذ الجليل الشيخ (عبد الظاهر أبو السمح ) أمام المسجد الحرام وخطيبه ومدير دار الحديث بمكة :

ألا في الله ماخط اليراع .... لنصر الدين واحتدم الصراع

صراع لا يماثله صراع .... تميد به الأباطح والتلاع

صراع بين إسلام وكفر .... يقوم به القصيمي الشجاع

خبير بالبطولة عبقري .... له في العلم والبرهان باع

يقول الحق لا يخشى ملاماً .... وذلك عنده نعم المتاع

يريك صراعه أسداً هصوراً .... له في خصمه أمر مطاع

كأن بيانه سيل أتيّ .... تفيض به المسالك والبقاع

لقد أحسنت في رد عليهم .... وجئتهم بمالا يستطاع


(إلى آخر القصيدة ....... والقصيدة طويلة )


وقال في حقه - متأسفاً على إلحاده - الشيخ (ابن عقيل الظاهري ) :

( أرجو له في شخصه أن يهديه الله للإيمان قبل الغرغرة ، فتكون خاتمته حسنة إن شاء الله ، فإن هذا الرجل الذي ألف " الصراع بين الإسلام والوثنية " ممن يؤسف له على الكفر ).


لأحمد السباعي بعنوان "فكر عبدالله القصيمي" ، ودراسة للألماني "يورغن فازلا" بعنوان "من اصولي إلى ملحد".
ونظرا لما أثاره فكر القصيمي من معارك ثقافية تناولته دراسات أكاديمية منها رسالة دكتوراه

[عدل] مزاعم عودته إلى الاسلام

ردد البعض أن القصيمي قد عاد إلى الاسلام آخر حياته ، وعكف على تلاوة القرآن، ولكن المرافق للقصيمي إلى آخر لحظة في حياته : صديقه ( إبراهيم عبدالرحمن ) قد نفى هذا ، مؤكدا أنه مات على فكره الذي عُرف عنه ، وقد نقل هذا الاعتراف الكاتب عبدالله القفاري في مقالاته المعنونة بـ " خمسون عامًا مع القصيمي " ، في جريدة الرياض ، الاثنين 12 جمادى الآخر 1429هـ -16 يونيو2008م - العدد 14602 ، قال : ( سألته أخيراً: هناك من روج لفكرة تحول القصيمي في آخر أيام حياته وهو على فراش الموت، وأنت القريب منه حتى تلك الساعات الأخيرة في مستشفى فلسطين حيث ودع الحياة ؟! قال لي : هذه كذبة جميلة، روج لها البعض ليمرر اسم القصيمي على صفحات الصحف ، في وقت كانت الكتابة عن القصيمي مشكلة بحد ذاتها ، لقد حسم عبدالله القصيمي منذ وقت مبكر خياراته، لقد كانت كذبة جميلة تستهوي من يبحث عن فكرة التائب العائد ، لكنها ليست هي الحقيقة على الإطلاق !! )

[عدل] مؤلفاته

  • البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية
  • شيوخ الأزهر والزيادة في الإسلام
  • الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم
  • مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها
  • نقد كتاب حياة محمد لهيكل ، القاهرة، 1935م ، عدد الصفحات: 70 صفحة.
  • الثورة الوهابية
  • الصراع بين الإسلام والوثنية
  • كيف ضل المسلمون
  • هذي هي الأغلال
  • العالم ليس عقلاً
  • كبرياء التاريخ في مأزق
  • هذا الكون ما ضميره
  • أيها العار إن المجد لك
  • فرعون يكتب سفر الخروج
  • الإنسان يعصي .. لهذا يصنع الحضارة
  • عاشق لعار التاريخ
  • العرب ظاهرة صوتية
  • الكون يحاكم الإله
  • يا كل العالم لماذا أتيت؟
  • له أيضا (الرسائل المتفجرة)

كتب عبدالله القصيمي عن الثورة و الثوار فقال:

(إنه لا يمكن أن تكون ثورة بدون أصوات عالية، إن الأصوات العالية تستهلك حماس الإنسان وطاقته، إنها تفسد قدرته على الرؤية والتفكير والسلوك الجيد، إن الأصوات العالية هي الثمن السخي الذي تهبه الثورات للمجتمعات التي تصاب بها، إن الأصوات العالية هي العقاب الغوغائي الذي تعاقب به كل ثورة أعصاب ووقار مجتمعها .

الثوار دائماً يتحدثون عن نقيض ما يعطون، إنهم يتحدثون عن الحرية والاستقامة، وهم أقوى أعدائها، وعن الصدق وليس في البشر من يعاقبون الصادق ومن يمارسون الكذب ويجزون الكاذبين مثلهم! وعن حقارة النفاق وهم احسن من يزرعونه، ويستثمرون، ويتعاملون معه، وعن الرخاء مع أنهم من أذكى من يبتدعون جميع أسباب الإفقار والأزمات والحرمان، وعن التقدمية وهم أعتق البشر رجعية، إنه لا مثيل لهم في الخوف من التغيير الذي لا يهبهم تسلطاً وطغياناً، ويتحدثون عن العدل والحب، وهم يعنون بهما تخويف كل الطبقات، وقهرها، وسوقها لمصلحة كبريائهم، وأحلامهم.. )

جدير بالإشارة إليه أن كتبه نادرة الوجود بالأسواق، أو هي في الأغلب مرتفعة الثمن نسبيا.

[عدل] وفاته

توفي بعد صراع مع المرض عام 1996 م.

jeudi 1 janvier 2009

عبد المجيد الشرفي

أجرى اللقاء حسن بن عثمان

عبد المجيد الشرفي شخصية فكرية تجاوز بطروحاته البحثية ما هو أكاديمي إلى المعرفي، كما ينبغي أن تكون المعرفة غير أيديولوجية، تنشد ما فوق المؤسسات والأطر وتقاليد البحث المتداولة الجامدة. شغل مواقع جامعية رئيسة، واهتمّ منذ بداياته بالإسلام دينا وفقها وتاريخا وظهورا اجتماعيا وسلوكيا ووعيا ولغة، وفي ذلك أنتج العديد من الدراسات والكتب، ضمّنها وجهات نظره المجتهدة، غير الرائجة، في تناول الإسلام الذي يتلوّن بصروف الزمان والمكان، إسلام يطرح قشوره في بحوث الشرفي ويتعهّد بصقل جوهره. هنا حوار مع الباحث والجامعي والمفكّر عبد المجيد الشرفي عن بعض المعاني التي اشتغل عليها.

* سي عبد المجيد الشرفي، ينحدر تكوينك المعرفي من أفق أدبي وحضاري، وتكوينك السياسي من أفق ماركسي تقدمي، وتكوين هويتك الشخصية تونسية وطنية محلية... فمن أين جاء اهتمامك بالإسلام دينا وحضارة؟

** دراسة الإسلام هي جزء من دراسة المواضيع الاجتماعية، وأهمية الدّين اجتماعيا ونفسانيا وسياسيا وأخلاقيا تبرر الاهتمام به، بالإضافة إلى أن ما أعيبه، بصفة عامة، على الفكر التقدمي انه ترك إنتاج المعنى للتيارات المحافظة وأحيانا الظلامية، فأصبحت تلك التيارات تحتكر الكلام باسم الدين. الدّين منتج للمعنى مثلما أن التيارات التقدمية مقصّرة في الاهتمام بإنتاج الثروة. إنها لا تهتمّ، في الأغلب، وبعد فشل التجربة السوفياتية، إلاّ بتوزيع الثروة. لكن قبل التوزيع لابد من الإنتاج، ونفس الشيء ينطبق على إنتاج المعنى. والدين هو المجال الذي يكتسب فيه الإنسان، بحكم ثقافته، وربما بحكم تكوينه كذلك، معنى لحياته ولسلوكه. وهذا المعنى يتغيّر، بطبيعة الحال، بحسب الظروف وبحسب التوجّهات، ولكن أيضا بحسب مدى الاطلاع على الفكر الديني في تاريخه ومنعرجاته ومآزقه وكشوفاته، لخ.

الاهتمام بالإسلام يدخل إذن ضمن هذه الدائرة، ويتطلب معرفة بعلوم الإنسان والمجتمع في العصر الحديث، حتى يمكن بها قراءة الإنتاج الديني، قديمه وحديثه. وفي تصوري أن هذه القراءة وإن كانت محفوفة بالمحاذير فإنها ضرورية بالنسبة إلى مجتمعنا، وإلى المجتمعات الإسلامية المعاصرة عامة. هذا مع العلم بأنني بدأت أهتم بهذا الميدان قبل أن يحتلّ الإسلام الحركي الساحة الإعلامية والسياسية، وقد حاولت أن أحافظ على هذه الغاية المعرفية، فلا أقفز، كما يفعل الكثيرون، إلى الغاية النفعية المباشرة، لأن ذلك في نظري من شأنه أن يجعل الإنسان يغفل عن الكثير من الأبعاد التي لا تناسب تلك الغاية النفعية.

* تقول أن دراسة الإسلام جزء من دراسة المواضيع الاجتماعية. لكن الإسلام ليس فقط مجرّد موضوع اجتماعي مثل كل المواضيع الاجتماعية، إنما هو يعلو عنها بصفته دينا يتجاوز الاجتماع في كل زمان ومكان، ويظل مفارقا، يحافظ على خصوصية تميّزه على الراهن الاجتماعي، بما يجعله بمنأى عن حوادث الزمان والمكان، كما يرغب أن يكون؟

** بطبيعة الحال في الدين كل الأبعاد الرمزية. ما تسميه المفارقة أسمّيه رمزية. كما أن الأبعاد الاجتماعية، كل الأبعاد الاجتماعية بما فيها الدّين، بصفته بعدا اجتماعيا، تخضع للتحليل العلمي وحتى الذين ينكرون خضوعها للتحليل فإنهم، في الحقيقة، ينتجون معنى من المعاني نابعا من اختيارات بشرية محكومة بالثقافة ومحكومة بالسياسة ومحكومة بالآفاق الذهنية لمنتجيها. هناك، لا محالة، تداخل بين البعد الرمزي والبعد الاجتماعي، ووظيفة الباحث هي محاولة فك هذا الارتباط وإرجاع كل الظواهر المدروسة إلى العوامل التاريخية التي أنتجتها، وإذّاك تبقى مسألة المعتقد الشخصي مسألة خارجة على التقييم وتتغير بتغيّر النفسيات ومستوى الثقافة وربما السنّ والوضع الاجتماعي، إلى غير ذلك، وهنا لا بدّ من التأكيد على أن هذين البعدين "المفارق" والاجتماعي موجودين في كل الديانات، وخاصة منها الديانات التوحيدية. والخصوصية الإسلامية ليست موجودة في هذا المستوى وإلاّ سقط الإنسان في الماهوية، وليس هناك عالِم واحد يقول بها في هذا المجال.

* لكن هنا تظل مسألة اللغة ماثلة في الموضوع لا تبرحه. اللغة بما هي رموز وبما هي مفارقة لموضوعها ولما تقوله. هنا المسألة مضاعفة، من جهة اللغة بما هي رموز، ومن جهة الرموز من حيث أنها من هذا العالم وليست من هذا العالم، في اللحظة ذاتها، رغم أنها تخاطب عالمنا ووجودنا، وهذا ما يتحدّى به القرآن قرّاءه وباحثيه ومفسّريه وشرّاحه ومُؤوّليه؟

** أنت تثير هنا مشكلة عويصة في الفكر الإسلامي، تلك المتعلّقة بما يمكن أن يوصف به القرآن. لقد شاع بين المسلمين الإيمان بأن القرآن كلام إلهي. ولكن هذه المسلّمة حين نحلّلها نتبيّن أن المسلمين لم يراعوها دائما. على سبيل المثال، عندما استدلّوا على الإعجاز القرآني قارنوه بالخطاب البشري، كما وُجد الخطاب العربي في الشعر والنثر والحِكم والأمثال، أي أنهم عاملوه على أساس أنه لغة بشرية، وكثير من التصورات السائدة عن كون القرآن كلاما إلهيا هي تصورات ميثية. بينما يحقّ للمسلم أن يعتبر أن مصدر هذا الكلام هو الوحي، أو الإلهام الإلهي. ولكن القرآن، في الآن نفسه، هو كلام محمّد، أي كلام بشري، ونعثر فيه على تأثيرات تاريخية تدلّ على هذا البعد البشري. فلا شك، إذن، أن هذا الوحي يمرّ عبر شخصية الرسول. إذن فهو يتشكّل بحسب المعرفة التي توفّرت للرّسول. وهذه المعرفة محدودة بحدود المعرفة البشرية في القرن السابع الميلادي، وهي معرفة لا يمكن أن نُنكر تأثير الضمير الميثي فيها وحضوره حضورا مكثفا. لهذا فابتعاد المسلمين اليوم عن القول الساذج بأن القرآن كلام الله فقط، والإقرار ببعده البشري الدنيوي التاريخي، إذن النسبي، سيؤدي لا إلى تقويض الإيمان بهذا النصّ، بل إلى تأويل جديد له، يميّز بين قيمته هذه النسبية، من ناحية، وقيمته المطلقة، أو الفائقة للظروف المباشرة، من ناحية ثانية. وهذا التمشّي قد رأيته مناسبا لمفهوم ختم النبوّة من الخارج. يعني أن الرسول حرص على ألا يَبقى الإنسان حبيسا للقوى الغيبية، وأن يتحمّل مسؤوليته كاملة، وهو حرّ في اختياراته، سواء في أن يؤمن أو يكفر، أو، باختصار، في أن ينظّم حياته الفردية والجماعية على النحو الذي يرتضيه.

عفواً حزب البعث: سوريّا ليست عربيّة!


بقلم: نبيل فياض


يبدو صعباً إفهام الناس كم من شعارات وممارسات اعتقد أصحابها ـ أو: المستفيدون منها ـ أنها صحيحة وقابلة للتطبيق، ثم اكتشفوا بعد فوات الأوان أن مثلها مثل الدواء الذي انتهت صلاحيته منذ زمن طويل ـ هذا إن كانت له صلاحية أصلاً ـ غير قابلة للاستخدام! لكن السؤال الذي يلاحقنا بعيونه الوقحة: كم من الناس قضوا من جراء هذا الدواء الفاسد منذ عام 1963 ـ وربما 1958 ـ حتى الآن؟ كم من الناس قضوا على مذبح المفاهيم العائمة واستشهدوا في ساحة "الفكرة أهم من الإنسان"؟ لقد طرح البعثيون شعار: الوحدة والحريّة والاشتراكيّة ـ كالناصريين تماماً، مع فارق الترتيب ـ فماذا كانت النتيجة؟

بدل أن تتوحد الدول التي أسموها عربيّة ـ بما في ذلك جزر القمر والصومال وجيبوتي وشنقيط ـ نحن الآن على أبواب تقسيم العراق، وربما قريباً السعوديّة؛ السودان مقسّم عمليّاً، وفي لبنان القطيعة واضحة لمن لا يكابر بين المناطق المقطّعة أصلاً مذهبيّاً.. إلخ!

كلمة الحريّة، التي أجبرنا البعثيون على ترديدها، كالببغاء البلهاء المصابة بالربو، وذلك باعتبارها ـ الحريّة ـ الإثفية الوسطى من ثالوثهم العظيم، لا تحتاج إلى جهد هائل كي تكشف لنا عن مآسيها الصارخة إن في العراق حيث القبور الجماعية والتطهير العرقي والتخلّص من المعارضة على طريقة الحجّاج، أو في سوريّا حيث لا معارضة ولا نقد ولا كشف فساد ولا حتى سماح بمقاربة التطرّف الديني، الذي أثبت الوضع الحالي في العراق أنه كان العنصر الأوحد الفاعل في كواليس النظام الصدّامي: سبب رئيس هو أن دكتاتور الثقافة الحمصي في دمشق، لأنه علوي، يخشى من أي سماح بفكرة تجعل قوى الإرهاب الإسلامي المتنفذّة للغاية في سوريّا اليوم تكفّره وتشاغب عليه وتفقده بالتالي منصبه ـ وهذا هو المهم ـ وتضيّع عليه وعلى أقاربه الذين زرتهم مرّة في بلدته القبو الاستفادة من خيرات هذا الوطن، خاصّة من اللاعمل الديبلوماسي في البرازيل!!!

أمّا الاشتراكيّة فحدّث ولا حرج!!! وإذا كان النظام الذي سقط في العراق قد كشف، مع تسلّل عدسات التلفزيون إلى الوطن الذي كان معزولاً، فقر الشعب المدقع وغنى صدّام الفاحش، فإن أي ملاحظ خارجي لن يفشل في المقارنة بين بيوت المسؤولين والتجّار ورجال الدين في الصبّورة ويعفور والمالكي وباقي فئات الشعب في دفّ الشوك والدويلعة والتضامن والطبّالة.. في دمشق. ـ مع ملاحظة أن العلويين هم الطائفة الأكثر حرماناً في سوريّا، بعكس ما قد يتصوّر بعضهم. سوريّا الآن ممتلكة لبعض أفراد من طوائف مختلفة لا يسمحون لطائر أن يمرّ من سمائها دون الإفادة منه. ـ وممارسات هؤلاء، التي ظهرت واضحة الفجر في انتخابات (!!!) مجلس الشعب الأخير، وأخص هنا بالذكر المدعو محمّد حمشو الذي كان يوزّع الملايين في لحظات في بلد حيث راتب المهندس لا يتعدّى مئة وخمسين دولاراً، كانت أكثر من وقحة. لقد كنّا على الدوام ضدّ الاشتراكيّة ومع نظام المبادرة الفرديّة الرأسمالي، الذي يحمي حقوق الإنسان ويمنع القهر والتسلّط تحت أي شعار ويضمن الحدّ الأدنى من العدالة الاجتماعيّة: في سوريّا الآن منظومة اقتصادية تتمسّك في آن باحتكاريّة الرأسماليّة وقمع الشيوعية ـ دون أي من حسنات المنظومتين!



تحديد الهويّة القوميّة علميّاً:

رغم أن الانتماء القومي أو الديني لا يعنينا في شيء، فنحن نرغب حقّاً في تفنيد الانتماء القومي العربي الذي أقام عليه البعثيون والناصريون دعاويهم غير العقلانيّة من أجل المزيد من التسلّط وامتصاص خيرات الأوطان.

أولاً:

اللغة، في اعتقادنا، غير كافية وحدها لإثبات انتماء شعب ما إلى قوميّة بعينها: الأرجنتينيون، مثلاً، يتحدّثون الإسبانيّة، ومعظمهم من أصول إسبانيّة، لكنهم الآن ليسوا إسباناً: لأن التقاليد والبنى المعرفيّة الأرجنتينيّة ميّزت بمرور الزمن بين الشعبين؛ القول ذاته ينطبق على البرازيل والبرتغال؛ استراليا وبريطانيا؛ النمسا وألمانيا.. إلخ.

ثانياً:

الدين، غير كاف وحده كحامل للقوميّة: الفلبين وإيطاليا وإسبانيا والمكسيك والنمسا بلدان مسيحيّة كاثوليكيّة متمايزة قوميّاً؛ بريطانيا والسويد والنرويج وجنوب إفريقيا بلدان مسيحيّة بروتستانتية متمايزة قوميّاً؛ روسيا وبلغاريا ورومانيا واليونان بلدان مسيحية أرثوذكسيّة متمايزة قوميّاً؛ اليابان والتيبت وكوريا وبورما وفيتنام وكمبوديا بلدان بوذيّة متمايزة قوميّاً.. إلخ.

ثالثاً:

بعض من تاريخ مشترك غير كاف وحده لخلق شكل من الانتماء القومي: وإلاّ لكان العراق فارسيّاً ومصر إيطاليّة أو بريطانيّة وسوريّا تركيّة والجزائر فرنسيّة.. إلخ.

بالمقابل، فإن أيّاً من العناصر المشار إليها آنفاً لا تنطبق على سوريّا كي نقول إنها بلد عربي صرف: فمن جهة، العربيّة ليست اللغة الوحيدة القويّة في سوريّا: الكرديّة مثلاً لغة مئات الألوف من الشعب السوري؛ الآرامية ـ السريانيّة هي اللغة والأصل للشعب السوري قبل الغزو الإسلامي للبلد؛ إضافة إلى جزر هامّة من لغات أرمنيّة وشركسيّة وداغستانيّة وتركمانيّة.. إلخ. بالمقابل، فإن كثيراً من الدول التي أقحمتها السعودية في المؤسّسة الآيلة للسقوط، التي يرئسها شعبان عبد الرحيم السياسة العربية، المسمّاة جامعة الدول العربيّة، غير ناطقة بالعربيّة، إنْ كليّاً: كما في جزر القمر وجيبوتي والصومال، أو جزئياً، كما في موريتانيا! بل إن بعضاً من الدول المعتبرة أساسيّة في جامعة عمرو موسى هي غير ناطقة جزئيّاً بالعربيّة مثل السودان أو الجزائر أو العراق أو المغرب أو حتى مصر..

نصل الآن إلى الدين: فسوريا بلد هو أبعد من أن يكون بلداً إسلاميّاً، وفق التعريف السعودي للمصطلح. المسيحيون، بكافة طوائفهم، في سوريّا والمهجر، هم الثقل الأكبر معرفيّاً وحضاريّاً [لولا الوجود المسيحي في سوريّا ولبنان لكانت بلاد الشام مثل اليمن أو موريتانيا]؛ ولولا القمع البعثي المتأسلم لنافست سوريّا، بطوائفها المسيحيّة التي يمكن اعتبارها الرابط الحضاري الغربي الشرقي، أقوى دول المنطقة الشرق أوسطية، على كافة الصعد. لكن القمع إياه أدى إلى نزيف مسيحي قاتل من بلد المسيحيّة الأصيل: هل يمكن أن ننسى خطّة إخلاء الجزيرة السوريّة من السريان والآشوريين؟ هل يمكن أن ننسى هجمة المسيحيين السوريين لنيل الجنسية اللبنانيّة، ليصبحوا بالتالي مواطنين من الدرجة الأولى، بدل كونهم أهل ذمّة في وطنهم الأصلي؟ هل باستطاعة المسؤولين العباقرة تصوّر كم من سيبقى في الوطن من مسيحيين، في ظل هذه الهجمة الإرهابيّة الأصوليّة البوطوية على سوريّا، إذا ما فتحت أي سفارة أبوابها لاستقبال مهاجرين من المنطقة؟ من ناحية أخرى، فالطوائف غير السنيّة في سوريّا، تشكّل مع المسيحيين ما يقرب من نصف عدد السكان السوريين: وهذه الطوائف، باستثناء قلّة لا وزن لها من الإثني عشريين من أذناب ملالي فارس، تبدو أقرب إلى العلمانيّة والتحضّر الغربيين منها إلى الإسلام بقالبه السعودي المثير للتقزّز.

إذا ما أردنا التوقّف عند مسألة التاريخ المشترك سننتج بسهولة ملفتة أن سوريّا، على الدوام، كانت معبراً لهذا الجار القوي أو ذاك، بسبب موقعها الجغرافي الأبعد عن العزلة. فمنذ القدم كان الفارسي يجتاحها وهو يحارب الروماني، حاملاً معه أعرافه واعتقاداته، خاصّة ميثرا الذي ترسّخ في الساحل السوري حتى بعد ظهور المسيحيّة، مثله مثل الروماني الذي كان يجتاحها مهاجماً فارس أو ردّاً لهجوم فارسي على روما؛ وكان هو الآخر يحمل معه كثيراً من بناه المعرفيّة التي ما تزال أوابدها ماثلة للعيان في مناطق سوريّة لا حصر لها. كذلك كان الحال قبل الفرس والرومان بين المصريين القدماء والآشوريين وغيرهم ممن حكموا بلاد الرافدين. من ناحية أخرى، فقد أشارت المفكّرة الشهيرة، باتريشيا كرونه، إلى أن سوريّا افتقدت على الدوام الحكم المركزي، بعكس بلاد الرافدين أو حوض النيل، حيث كانت دول المدن الصفة الأميز للوضع السياسي السوري القديم. بل يمكن القول بثقة إن تفكّك سوريّا ما قبل الغزو الإسلامي هو الذي سهل على المسلمين احتلالها السريع. هذه اللامركزية، برأينا، عرفت تعبيراً واضحاً عنها في كثرة الانقلابات في سوريّا قبل استيلاء البعثيين على السلطة.

إنّ الحديث عن هويّة واحدة لسوريّا فيه كثير من التعسّف وسوء القراءة للتاريخ السوري، قديمه وحديثه، وتعامٍ مطلق عن الواقع الديموغرافي السوري المبني أصلاً على أسس التعدّديّة. هذه التعدّديّة التي نشير إليها باستمرار، والتي تتباهى بعض دول العالم المتحضّر الآن بأنها جزء من هويتها الثقافيّة، تثبت من ناحية غنى المجتمع السوري، وقبوله تقليديّاً الآخر [شكل جنيني للديمقراطيّة] من ناحية أخرى. فإذا كانت سوريّا عربيّة إسلاميّة فحسب، وكلّنا نعرف أن سوريّا كانت تعبق بالفكر والمعرفة والثقافة قبل الغزو العربي الإسلامي، فماذا كانت الهويّة السوريّة قبل هذا الغزو؟ سوريّا لم تكن الربع الخالي وفجأة جاءتها جحافل الغزو الإسلامي لتقيم فيها حضارة!!! وتعطيها هويّة! الشعب السوري ما قبل الغزو كان يشعر بانتماء ما إلى هذه الأرض، وما الانشقاقات المسيحيّة ذات الطابع المذهبي القومي الجذور، مثل النسطورية واليعقوبيّة والمونوتيليّة، التي نشأت بنوع من الردّة على تسلط الحكم الخلقيدوني، إلا أحد الأدلّة الكثيرة على عمق الإحساس السوري بالتميّز. بل إن زنوبيا، التي جاءت بلونجينوس الحمصي [لاحظوا: لونجينوس حمصي وليس كرديّاً] كي يدبّج لها فلسفة وثنيّة سوريّة، وببولس السميساطي كي يضع لها خطوط فلسفة مسيحيّة سوريّة، إلا دليل يضاف أيضاً إلى سلسلة الأدلّة التي لا تنتهي على الإحساس السوري العميق بالهويّة قبل الغزو سيئ السمعة المشار إليه آنفاً.

البعثيون، وقبلهم المحتل المصري الناصري، أرادوا شطب سوريّا ما قبل معاوية من التاريخ: وجاءوا بمجموعة من الكتبة والفريسيين من المصابين ببرانويا الإرهاب المعرفي الإسلامي والشوفينيّة العربيّة، من أمثال الرفيق الأخواني علي عقلة عرسان، كي يخلقوا جوّاً ثقافيّاً خانقاً لكلّ من يرفض مقولة "الهويّة العربيّة الإسلاميّة" لسوريّا. وأبسط متطلبات العقل والحريّة؛ تقول: إن النشيد الوطني السوري، الذي يتباهى بكائنات مقرفة من أمثال الوليد والرشيد، صار عبئاً إضافيّاً على سلة أكاذيبهم الممتلئة أصلاً: ولا بدّ من تغييره بما يضمن أن يشعر كلّ سوري، في الوطن أو المهجر، بأن النشيد يمثّله.

سوريّا، على الدوام، كانت جزءاً من الحضارة المتوسطيّة التي وضع أسسها فلاسفة اليونان، الذين تأثروا، بشكل أو بآخر، بالمخزون المعرفي السوري المغرق في قدمه، ومحاولة البعثيين، وقبلهم الناصريون، أن يجعلوا من السوري قرداً يمنيّاً أو جيزانيّاً، هو أجبن اعتداء ـ فهو يتم خلسة وبالقلم لا السيف ـ على الوجود السوري الذي كان قبل أن يخترع المسلمون آلهتهم وقبل أن يسرق العرب خيرات الوطن ومعارفه. من هنا، فإن أبسط ما يمكن القيام به، ونحن نرى الانحدار المعرفي الاقتصادي العلمي الأخلاقي عند العرب المسلمين، هو تقديم طلب انسحاب مما يسمّى منظمة المؤتمر الإسلامي وبرفقته طلب انسحاب آخر من منظمة شعبان عبد الرحيم السياسة المسمّاة بجامعة الدول العربيّة، وبالمقابل، تقديم طلب انضمام إلى المجموعة الأوربية، يعيد سوريّا، كشعب حضاري، إلى مكانه الطبيعي. فالإنسان، كي يرتقي، يرافق أناساً من نوعيّة راقية، تضيف إلى رقيّه رقيّاً: لا مجموعة من القرود الوهابيين تعيد الإنسان إلى عصور ما قبل اكتشاف النار.

القوميّة، برأينا الذي لا نجبر عليه أحداً، لا تقوم على توافه لغويّة أو خرافات دينيّة، بل إن مقوّمها الأساسي معرفي ثقافي؛ وما يربطنا حضاريّاً، كسوريين، على مدى الزمان الموغل في قدمه، بالشعوب المتوسطيّة المتحضّرة، كاليونانيين والإيطاليين والفرنسيين، أقوى بما لا يقارن مما يربطنا بقرود الوهابيين المتصحّرة في الربع الخالي واليمن السعيد ونجد.

نبيل فياض 30 يناير 2004

. نبيل فياض nfayyad@mail.sy

A Bachar elassad

د. سلوى الشرفي
• جامعية
• تونس

صحافية وأستاذة محاضرة في الإعلام و الاتصال بـ"معهد الصحافة وعلوم الأخبار"، الجامعة التونسية.
أعمالها:
-" الإسلاميون و الديمقراطية"
-" المرأة و الإسلام و العنف".


مقالات أخرى لنفس الكاتبة :
• خطاب الفتوى على الإنترنت: العالم في مرآة الاستفتاء والإفتاء
• في الخوف من الكلمة...
• عن الرقابة الذاتية وأسئلتها العويصة
• دفاعا عن حرية الرأي والتعبير والحق في المعتقد والخصوصية الثقافية وحوار الحضارات...الخ
• الخطاب الديني في وسائط الاتصال الدعائي: وهم العرفان والهذيان واللذة
• "آه من يوم تسودّ فيه الفوانيس، اللهم قنا شّره"
• مصادر الفكر التكفيري: كيف يقرأ الفقهاء القرآن
• خطاب الفتوى على الإنترنت: الذمّي والمرأة في مرآة الاستفتاء والإفتاء
• في الفتاوى والفتاوى المضادة..."ارفع لسانك عن خالد"
• في الضحك والشعر والخوف
• عن الرقابة، إذ تصبح ذاتية، "فعلا حرا"...
• توظيف الدين في الدهس والرفس
• مصادر الفكر التكفيري: حديث الرسول أم حديث الرواة؟
• خطاب الفتوى على الإنترنت: في العلم اليقين



فخامة الرئيس بالوراثة
كم أسعدني أخيرا سماع صوتك بعد أن خمدت أصوات المعارك على الجبهة.
وكم أسعدني اعترافك بوجود أنصاف رجال بيننا.
وأنا إذ أوافقك على كل كلمة قلتها، فإني لا أوافقك على الكلام الذي لم تقله، ربما تفاديا لخدش تواضعك على الأعمال الجليلة التي قدمتها للعرب منذ جلوسك على عرش الشام.
وتعميما للفائدة أتطوع بقول ما لم تقله أنت.
صحيح كل الذين لم ينزلوا إلى جبهة القتال إلى جانب حزب الله في حربه بالوكالة عن الجولان السوري المحتل من عقود، وعلى حق إيران في امتلاك الأسلحة، لا يستحقون لقب الرجولة. ويجب أن يسحب منهم هذا اللقب بقرار برلماني سريع كالذي تم تنصيبك به سنة 2000.
غير أنني أخشى ما أخشاه هو أن ينسحب عليك الأمر قبل أي كان من هؤلاء الأنصاف. فعلى حد معلوماتي، لم ينزل نفر سوري واحد إلى الجبهة. والأمر ليس بغريب على من هب لنجدة الكتائب سنة 1976 لتقتيل الفلسطينيين في تل الزعتر، وعلى الذي نصب "إيلي حبيقة" وزيرا، جزاء له على مجزرة صبرا وشتيلا الأولى وعلى من ساند إيران ضد العراق في الثمانينات، وعلى من أنزل جيشه يحمي المارينز في حربه ضد العراق سنة 1991، وعلى من تعجّ سجونه بالأحرار السوريين والفلسطينيين واللبنانيين والذي يفوق عددهم عدد السجناء العرب في السجون الإسرائيلية، وعلى من كان السبب المباشر أو غير المباشر في اغتيال خيرة شبابنا: سمير قصير وجبران التويني، لمجرد اختلافهما معه في الرأي والدفاع عن سيادة وطنهم. وهو أمر غير مستغرب لأنكم تعودتم على دفع اللبناني، شحم المدافع، محلكم ليضغط على الإسرائيلي كلما رمتم التفاوض مع الإسرائيلي. وهو على فكرة السبب في مجزرة قانا الأولى عام 1996.
كما تعودتم على فتح الطريق للإيراني منذ عام 1982 ليؤسس حزبه لله في لبنان. وأذّكر أن السيد علي أكبر محتشمي، مؤسس حزب الله في لبنان بقرار من الخميني، كان سفير إيران في دمشق قبل أن يصبح وزير داخلية الخميني.
وعودة إلى أنصاف الرجال لأقول إذا كنتم تقصدون الرؤساء العرب فرجاء توضيح ما يجعلك مختلفا عنهم ليكون خطابك واضحا للشعب العربي.
أما إذا كنت تقصد الحكومة اللبنانية، لأن رجالها يرفضون خضوع بلدهم للسوري والإيراني، فأنا أتفهمك لأنك كرجل كامل الأوصاف، قبلت بخضوع جولانك للإسرائيلي. بل أنك ما زلت تطالب بالمفاوضات تفاديا للصدام. وهذا عين العقل يا سيادة الرئيس بعد أن خسرت ورقة حزب الله.
سيادة الرئيس بالوراثة
ذكرتني هذه السفسطة، بسفسطة حسن نصر الله، صاحب العمامة السوداء، الداعية على الاعتقاد بأنه ينتمي للأسياد من أهل البيت ( كله بالوراثة. ثم أي بيت؟ السوري أم الفارسي؟) في كلمته يوم 9 آب، وبعد أن تأكد من الهزيمة، ولكي يبرر تراجعه عن موقفه الرافض لخروج الجيش اللبناني من الثكنات.
فسر الحسن، ابن أهل البيتين، رفضه السابق لنزول الجيش، بخشيته على الجيش اللبناني من القوة الإسرائيلية التي لا تقدر عليها سوى مقاومته.
و طبعا فالذي لا يستحي يقول ما يشاء.
لأن "السيد" خاف على الجيش من التقتيل و لم يخش على المدنيين اللبنانيين من كل المجازر التي حدثت فعلا.
وقال أيضا أنه كان يخشى أن يكون الجيش اللبناني حارسا لأمن إسرائيل، موجها بذلك إهانة ما بعدها إهانة إلى جيش وطن يدعي سماحته الانتماء إليه.
وفي الحقيقة فهو يسحب على الجيش اللبناني ما يقوم به هو. فمقاومته متعودة على أن تكون حارسة لأمن سوريا وإيران.
أسأله الآن ما الذي تغير يا "سماحة السيد"؟ ولماذا قبلت بنزول الجيش؟ ألم يكن من الأفضل قبول جيش وطنك إلى جانبك أيام المعركة أفضل من قبول نزوله رضوخا لقرار صهيوني أمريكي؟